نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 23
وراءك فالخواطر باردات * على الإحسان والأيدي جمود وإنك لو تروم مزيد برد * على برد لأعوزك المزيد إن النقاد سكتوا عن ضجر الشريف من العراق ، ولكنهم لم يسكتوا عن ضجر المتنبي من مصر ، لأن ضجر الشريف من العراق لم تشهره الحوادث ، أما ضجر المتنبي من مصر فقد صحبته خطوب تحدث بها الركبان ، فكأنّ الرواة والنقاد لا يلتفون إلى الشعر إلا أن دقّت من حوله الطبول . ألا ترونهم يذكرون ما قال بشار في التعريض بخلفاء بني أمية ولا يذكرون ما قال الرضي في التعريض بخلفاء بني العباس إنهم يذكرون أبيات بشار لأنها جرّت عليه القتل ، ولا يذكرون أبيات الرضي لأنه خرج منها بعافية ، وإلا فأي شعر أخطر من شعره وهو يقول في التعريض بخلفاء بني العباس : أما تحرّك للأقدار نابضة * أما يغيّر سلطان ولا ملك قد هادن الدهر حتى لا قراع له * وأطرق الخطب حتى ما به حرك كلّ يفوت الرزايا أن يقعن به * أما لأيدي المنايا فيهم درك قد قصّر الدهر عجزا عن لحاقهم * فأين أين ذميل الدهر والرتك [1] أخلَّت السبعة العليا طرائقها أم أخطأت نهجها أم سمّر الفلك لقد غفل النقاد عن المعاني الانسانية والشخصية في أشعار الشريف الرضي ، ولم يتحدثوا عن عيون القصائد في ديوان ذلك الشاعر القليل النظائر والأشباه ، فهل ترونهم قيدوا ما في أشعاره من الحكم والأمثال هل سمعتم أن أديبا جاد من وقته بأسبوعين أو ثلاثة أسابيع في الغوص على