نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 206
الأغلب خالية من السّمات الاصطلاحية ، ولأنها أدب صرف لا يعرف البهرج والتزويق إلا في الحدود المقبولة من الصناعة الشعرية ، ولو قيل إن الشريف شاعر بدوي ينطق بالفطرة والسليقة وإنه أميّ لا يقرأ ولا يكتب لجاز ذلك في أذهان من يجهلون مكانته في التاريخ . الشريف شاعر بدويّ منقطع عن الحياة العلمية أشد الانقطاع وهو في هذه الناحية ظاهر كل الظهور ، بحيث يظنّ أنه لم يعرف من حياة العلم ما عرف بشار وأبو نواس وابن الرومي والمتنبي ، الشريف في شعره بعيد كل العد من أساليب العلماء من نحاة ولغويين وفقهاء ، هو شاعر بدوي لا تظهر عليه سيما الحضارة إلا في ترف العقل والذوق ، وهو في شعره أقل حضارة من عمر بن أبي ربيعة ومن الكميت ومن جميل ، مع أنه نشأ في بغداد وعرف المترفين من أهل فارس وأهل العراق ، الشريف في شعره نموذج للسليقة البدوية التي لم تعرف من الحضارة غير أطياف ولم تسمع بقعقعة النحاة واللغويين في بغداد . فإذا انتقلنا إلى نثر الشريف رأينا شخصية جديدة ، رأينا عالما يشهد نثره العلميّ بأنه من أقطاب الأدباء ، رأينا رجلا يكتب في العلوم اللغوية والشرعية بأسلوب مضمّخ بعطر الأدب الرفيع . وكذلك نعرف أن للشريف شخصيتين مختلفتين بعض الاختلاف : شخصية الشارع المطبوع ، وشخصية العالم الأديب . فكيف اتفق لصديقنا الشريف أن يكون كذلك أغلب الظن أن الرجل كان يعمد إلى الابتكار والابتداع : كان يرى شعراء عصره قد غلبت عليهم المظاهر الحضرية فآثر التفرد بالشمائل البدوية ، فهو بالشعر بدويّ وهو في العلم أديب . وتلك خصيصة نادرة
206
نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 206