نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 20
أن يرزأ في عالم الشعر بذلك الخمول ونجيب بأن الأمر كان كذلك لأن أدباء اللغة العربية ندر عندهم أن يكون الفن وحده هو مرجع النباهة والشهرة وبعد الصيت : فامرؤ القيس لم تكن شاعريته سبب شهرته ، ولو لا انتقاله من أرض إلى أرض وموته مسموما في سبيل الثأر لأبيه لما ذكره الذاكرون ، وطرفة بن العبد لم يسر ذكره إلا لموته قتيلا وهو في سن العشرين ، وحسان لم يشتهر إلا لأنه كان شاعر الرسول ، والشاعر المفلق أبو نواس لم تكن شاعريته سبب شهرته وإنما اشتهر بفضل اشتراكه وهو راغم في فتنة الأمين والمأمون ، وأبو تمام لم يشتهر بفضل شاعريته ، وإنما اشتهر لأنه سجل في شعره حادثة رجّت الأرض وهي فتح عمّورية ، والبحتري لم يشتهر بفضل شعره ، وإنما اشتهر لأنه حضر مأساة دوّنها التاريخ : وهي شهوده قتل المتوكل والفتح بن خاقان ، والمتنبي لم يكن شعره سبب شهرته ، وإنما اشتهر بفضل حادثتين ظاهرتين : الأولى : رحلته إلى مصر في سبيل المجد ، والثانية : موته قتيلا بالبيداء . ولم يتفق للشريف الرضي شيء من ذلك ، فقد كان يطلب الخلافة سرا لا علانية ، ولو تمّ له ما أراد من الملك لعرف الناس شاعريته وسطروا في الثناء عليه مئات التآليف ، ولكنه مات ميتة عادية ، فلم يذكر الناس يوم موته إلا أنه رجل شريف ينبغي أن يدفن بجانب جده الحسين في كربلاء . ولست بهذا أتجنّى على أسلافنا من أدباء اللغة العربية ، وإنما أذكر حقائق مؤلمة كانت السبب الأصيل في انحراف الموازين . فإن لم يكن ذلك صحيحا فحدثوني عن المشهور من قصائد الشريف أليست قصيدته في رثاء أبي إسحاق الصابي أشهر شعره بلى ، هي كذلك ، فهل تعرفون أن تلك القصيدة لم تشتهر إلا بفضل ما اتصل بها من
20
نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 20