نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 125
بأن هذا الخلاف كان سببا في حياة اللغة العربية : لأنه أمدّ التصنيف والتأليف بفنون من القوة والحيوية ، وعاد على الشعر والنثر بأجزل النفع ، وللشر مزايا في بعض الأحيان . ولكن هذا الخلاف كان في حاجة إلى من يرعاه ويحوّله إلى جدل مقبول يشحذ به الذهن والعقل ، وقد استطاع أبو أحمد الموسوي أن يقف مرة موقف المصلح فيحقن الدماء ، ويغنم السلامة للإخوان المتخاصمين . وتظهر قيمة هذا الموقف النبيل إذا تذكرنا أن الخلاف بين السنة والشيعة كانت تؤرّثه دسائس خارجية ، وما نقول هذا رجما بالظن ، وانما عرفنا هذه الحقيقة بعد التعمق في دراسة الوضع السياسي للنصف الثاني من القرن الرابع ، فموقف أبي أحمد الموسوي كان موقف السياسي المحنّك الذي يبصر ما وراء الأكمة من المعاطب والحتوف . وقد سجل ابنه ذلك الموقف الصالح فقال : وخطب على الزوراء ألقى جرانه * مديد النواحي مدلهمّ الجوانب وأضرمها حمراء ينزو شرارها * إلى جنبات الجوّ نزو الجنادب سللت عليه الحزم حتى جلوته * كما انجاب غيم العارض المتراكب وقد علم الأعداء أنك تحته * غلبت وما كان القضاء بغالب وأقشعت عن بغداد يوما دويّه * إلى الآن باق في الصّبا والجنائب [1] ولولاك علَّي بالجماجم سورها * وخندق فيها بالدماء الذوائب وأنتم تلاحظون أن هذه الأبيات تمثل عطف الشريف على بغداد : فهو يكره أن تكون مسايل دماء .
[1] الصبا بفتح الصاد ، والجنائب جمع جنوب ، والمراد ريح الصبا وريح الجنوب .
125
نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 125