نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 103
ممالك الأرض ، وطئت حوافر خيله أمنع البقاع في أرباض الشرق . ومع أن عضد الدولة لم يملك العراق غير خمس سنين ونصف فقد استطاع أن يملك قلوب العراقيين ، وأن يشغلهم بالعلم والحضارة ، وأن ينسبهم ما صنعت عواصف السنين بالأنفس والأموال . أما القوة الثانية التي صدمت الشريف الرضي وحرمته لذة التشفي بموت عضد الدولة فهي قوة صمصام الدولة . وكان هذا الملك الجديد على جانب من صحة الرأي في بداية أمره ، فقد أخفى على الناس موت أبيه عضد الدولة إلى أن تستقيم له الأمور ، فلما تمّ له من ذلك ما أراد أعلن موت أبيه وأعلن في الوقت نفسه إلغاء الضرائب التي كان فرضها أبوه ، وهي ضرائب كان يضجّ منها الناس في السرّ ، ويتهيبون التضجر منها في العلانية . وكذلك رأى الشريف الرضي أن الدنيا بالنسبة إليه انتقلت من قبح إلى قبح ، وأن سجن أبيه سيطول ، فأخفى ضغائن قلبه ، وأقبل على شؤونه العاديّة وهو كاسف البال حزين . ولكن وقع بعد ذلك ما لم يكن في الحسبان : فقد كان لعضد الدولة ابن آخر هو شرف الدولة ، وكان لهذا الابن رجل من الخواص يقيم في بغداد ، فلما وصلت إليه الاخبار السرية بأن عضد الدولة مات وأن صمصام الدولة يخفي موته بادر ذلك الرجل وكتب إلى شرف الدولة بموت أبيه . وكان شرف الدولة يقيم بكرمان ، فكتم أمره وسار إلى فارس ، ثم أعلن موت أبيه وجلس للعزاء وأخذ البيعة على أوليائه وأطلق لهم ما جرت به العادة من العطاء . وعلى هذه الصورة ظهرت في دنيا السياسة لذلك العهد قوتان : قوة
103
نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 103