نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 130
صلات الشريف الرضي بخلفاء بني العباس أيها السادة : إن محاضرة الليلة أشقتني كثيرا ، ولكنها ستفصل في أعظم معضلة سياسية تحدث بها من عرضوا لترجمة الشريف : وهي تساميه لتبوء عرش الخلافة الإسلامية وأكاد أجزم بأن هذا المطمح لم يكن إلا خيال شعراء ، ولم يجسّمه إلا الأدباء الذين يسرهم أن يكون لهم زميل يتطلع إلى المعالي ويتسامى إلى عرش الرشيد والمأمون ، ولذلك نرى مؤرخي الأدب يشيرون إلى هذه المسألة فرحين متهللين كأنهم ظفروا بكنز مدفون [1] . والحق أن الظروف التي عاش فيها الشريف كانت سيئة جدا ، ويكفي أني لا أستطيع اليوم بعد مئات السنين أن أذكر بالتفصيل ما كانت تضطرب به بغداد في ذلك العهد ، لأن تلك السنين العجاف تركت عقابيل حمل الناس أثقالها من جيل إلى جيل . وأنتم تعرفون أن أشهر من شجعوا الشريف على طلب الخلافة هو أبو إسحاق الصابي ، ومع ذلك كان الصابي يشكو الفقر وسوء الحال فلا يملك الشريف أن يعينه بشيء ، لأن الشريف كان أفقر من الصابي وإنما كان يتجمل ويستر فقره عن الناس . والذي يعيش في مثل تلك الحال لا يفكر جيدا في قلب النظام السياسي بحيث يصبح وهو السيد الذي يسيطر على الأقطار العربية والفارسية . على أنه لا بأس من تصوير حال الخلافة في ذلك العهد ، لنعرف متى بدأ الشريف يداعب تلك الأمنية ، ومتى انصرف عنها انصراف اليائسين .
[1] قد عرضنا لهذه القضية في الجزء الثاني من هذا الكتاب حين تكلمنا عن صداقته للصابي فأرجع إليها هناك لتعرف كيف نشأت فكرة الخلافة في نفس الشريف .
130
نام کتاب : عبقرية الشريف الرضي نویسنده : زكي مبارك جلد : 1 صفحه : 130