وفي ما لو تعارض قوله مع قولهما أو قول أحدهما ، فلا بُدّ من الترجيح أو الجمع مهما أمكن ، وإلاّ فالتوقّف في الراوي ، لمكان الجرح المنقول الّذي يؤدّي إلى الريب فيه ، وهذا هو مؤدّى تقديم الجرح على التعديل . وقد لا يكون في ما أورده الغضائريّ أو غيره دلالةٌ على " الطعن " القادح في الثقة ، فلا يمنع من القبول أو ترجيح غيره . وقد رأيتُ أفضل من فهم أغراض ابن الغضائريّ ، وعمل بها ووجّهها بقوة ، هو الإمام العلاّمة الحلّي في " الخلاصة " . وأمّا ما يُظهره ابن الغضائريّ من التصرّفات ، فهو يصرّح بوجه عمله فيها بقوله : " وعندي " و " وأظنّه " و " فيما رأيته " و " ما رأيت له " و " لا أعرف له " و " فإني رأيتُ " و " قد وجدتُ " و " رأيت له " و " ولا أرى " و " أرى " وغير ذلك مما ظاهره " الاجتهاد " من ابن الغضائريّ في الموارد . ولو جمعتْ هذه الموارد - الّتي ظاهرها اجتهاده الخاص - لم تتجاوز العَقْد كثيراً . مع أنّه مصيبٌ في كثير منها ، وما أخطأ فيه ليس إلاّ معدوداً . فما هذه الضجّة المصطنعة ضدّه : إنّه كثير الجرح ؟ ! ثمّ إنّ أحكامه - كالسابقين عليه - إنّما عُرفت من خلال كتب المجروحين ورواياتهم ، وهي نُبذت وصُودرت وطرحت من المجاميع المتأخّرة ، وصُفّيت من الكتب ، فصفَتْ من أحاديث التخليط والغُلوّ والارتفاع ، الّتي عرف بها رواتها هؤلاء ، وإنّما بقيتْ المجموعة المقبولة ، الخالية من شوائب تلك المخالفات . فليس من الصواب انتقاد علماء الرجال الطاعنين في أُولئك الرواة ، بزعم خلوّ أحاديثهم المتداولة ممّا اتهموهم به من الطعون !