بحار الغفلة ، التائهين في براري الجهالة ، إذ لا شك ولا شبهة في كونه جهلا مركبا يعرف ذلك من له أدنى اطلاع بحقيقة الحال . فإذا كان ظنه بل جزمه أيضا غير معتبر في نفسه شرعا ، فكيف يمكنه الاكتفاء به في مقام تحصيل البراءة اليقينية ، سيما بعد ملاحظة قولهم : ( لا تنقض اليقين إلا بيقين مثله ) ، إذ أين اليقين الحاصل بالضرورة من الدين من هذا الجزم الذي يدعي حصوله بالنظر ؟ سيما مع ما يرى من اختلاف الفقهاء الخبيرين المطلعين المتقين العادلين المقدسين ، أرباب القوى القدسية والملكة التامة في الفقه مع نهاية كثرتهم و شهرتهم وقرب عهد قدمائهم إلى المعصوم عليه السلام بل ومتأخروهم أيضا أقرب عهدا منه بمراتب ، ومع ذلك اتفقوا على خلاف ما فهم ، أو كاد أن يتفقوا ، بل اتفقوا على عدم اليقين ، وكونه من المسائل الاجتهادية . وأما المجتهد الذي رجح إحداهما فالظاهر من طريقة بعض فقهائنا أنه أيضا في مثل هذه المسألة لا يجوز له الاكتفاء بظنه ، لما عرفت من البراهين ، وأن اليقين بشغل الذمة يستدعي اليقين بالبراءة ، وأن ظن المجتهد حجة فيما لم يتأت له اليقين ، إلا فيما يثبت من الشرع تجويز التعويل عليه ، ولم يثبت في مثل المقام ، وأيضا من المسلمات عند المجتهدين أنه مع تيسر العلم لا يجوز التعويل على الظن ، ومع تيسر الأقوى لا يجوز التعويل على الأضعف . لكن الظاهر من طريقة الباقين تجويز التعويل على ظنه حينئذ ، لما دل على كون ظنه حجة ، وتيسر اليقين ليس مخصوصا بالمقام ، بل غالب مقامات