النفس ( 1 ) بأخبارهم . والظاهر أنّ المنشأ أنّ الكذبَ قبيحٌ في أنظار الناس وموجبٌ لانتهاك العِرْض ، وهم - ولا سيّما أرباب الاحتشام منهم - يتجنّبون غاية التجنّب عمّا يُوجب النقصَ في دنياهم ؛ ولذا يتجنّبون عن الكذب ، بخلاف الغيبة ، فإنّه لا قبح فيها عندهم ؛ لكونها من باب الصدق ، ولذا ربّما يعتذر المغتاب عن ارتكابها بارتكاب الصدق ، بل كثيرٌ من الناس يرتكبُ بعضَ المعاصي ويتركُ بعضاً آخر من المعاصي ؛ بل مَنْ يرتكبُ جميعَ المعاصي نادرٌ أو منعدمٌ ؛ فلا منافاةَ بين الفسْق والوثوقِ بالحديث ، بل لا منافاة بين ارتكاب معصية ولو مع الإصرار وترك معصية أُخرى بالكلّيّة . ومَنْ تأمّلَ في أحوال الناس يجد أنّ كثيراً منهم صاحب ملكة الاجتناب عن بعض المعاصي مع ارتكاب بعض آخَر ولو كان متعدّداً وحتّى مع الإصرار ؛ بل ربّما يُسْتَبْعَدُ الكذبُ من بعض مَنْ يأتي بالفسق الفظيع كالزنا واللواط من أرباب الاحتشام وتطمئنّ النفس بخبره ، بل مَنْ يأتي بالفسق الفظيع من غير أرباب الاحتشام يحصل الظنّ بخبره وتطمئنّ النفسُ به . وأمّا الثاني : فلأنّ غايةَ الأمر في دعوى الظهور أن يقال : إنّ الغالبَ فيمن يتحرّز عن الكذب العدالةُ ، فيحمل المشكوك فيه على الغالب . وهو مدفوعٌ بأنّه لو لم يكن الغالب فيمن يتحرّز عن الكذبِ الفسقَ فلا أقلّ من المساواة ، ومع هذا يترجّحُ جانبُ المخبَرِ به بإخباره ، بل الغالب - بحيث يكون خلافه في كمال الندرة - أنّ الإخبارَ يُخْرِجُ طرفَ الُمخْبَرِ به عن حدّ التساوي مع الطرف الآخَر كما كان الإخبار يوجب رجحاناً فيه ، بل الإخبار ولو ممّن يأتي بالفسق الفظيع من غير أرباب الاحتشام يوجب الرسوخ في النفس ، ويتعسّر زوال أثره ، كما يشاهد فيما لو أخبر عن شخص بمذاكرة سوء بالإضافة إلى شخص