شخص لا يميلُ إلى الكذب في واقعة لعدم تطرّق منفعة عليه ، ويكفي في إمساكه عن الكذب أدنى حالة رادعة ، لكنّه في واقعة أُخرى يميلُ كلَّ الميل إلى الكذب ؛ لكونه موجباً لزيادة الشأن مثلا ، فإمساكه عن الكذب هنا لابدّ له من قوّة الحالة الرادعة . فلا ضَيْرَ في اختلاف المذاهب في العدالة ؛ لأنّ المختلف فيه غير ما هو المراد هنا ، والمختلف فيه هو المعروف بما عُرّف به ، إلاّ أنّ التعريف باعتبار الغالب ؛ حيث إنّ العدالة المعتبرة في غالب الموارد هي العدالة بالمعنى المعرّف به . أقول : إنّ الوجه الأخير لعلّه مأخوذ من كلام الشيخ الطوسي في العدّة ؛ حيث إنّه حكم بأنّ العدالة المشروطة في الراوي مغايرة للعدالة المشروطة في الشهادة ، وجعل العدالة المطلوبة في الرواة حاصلة مع الفسق بأفعال الجوارح وإن كان الفسق بأفعال الجوارح مانعاً عن قبول الشهادة ( 1 ) . لكن في كلٍّ من الوجهين نظر : أمّا الأوّل : فلأنّ معروفيّة أرباب التوثيق ومعرفتهم باشتراط العدالة ومنافيات العدالة إنّما تقتضي أن يلاحظوا ما جرى عليه مذهبهم ، غاية الأمر لحاظ أعلى مذاهب مَنْ تقدّم عليهم ، ولا تقتضي أن يراعوا ما لا يتخيّلوه من المذاهب المتأخّرة ؛ فالإشكال بحاله ولم يندفعْ بوجه . وأمّا الثاني : فلأنّ صَرْف العدالة في كلام أرباب الاشتراط عن ظاهرها - أعني المعنى المصطلح - بدون الصارف تصرّفٌ مردود ، كيف ! وما نقله فخر المحقّقين عن العلاّمة في باب أبان بن عثمان ( 2 ) معروف - وقد تقدّم - حيث إنّ مقتضاه اعتبار
1 . عدّة الأُصول 1 : 152 . 2 . حكاه الشهيد الثاني في تعليقته على خلاصة الأقوال : 15 . وانظر نقد الرجال 1 : 46 / 22 .