وبعد زمان تدوين الكتب الأربعة لبعضهم أو أكثرهم صرّحوا بأنّ الكتب المتقدّمة في زمن الصادق ( عليه السلام ) ونحوه معتبرة محفوفة بقرائن الصحّة كما تقدّمت الإشارة في عنوان سالم بن مكرم ، واستشهدوا على ذلك بروايات دلّت عليها . نعم ؛ تلك الكتب اشتملت على الروايات المتخالفة وغيرها ممّا يحتاج الفقيه إلى مراجعته إليها لبيان وجه الجمع ، فأخبار الكتب المدوّنة كالكتب الأربعة ونحوها صحاح من وجهين : أحدهما بوجود أخبارها في الكتب المعتمدة بمعنى ثبوتها عن الأئمّة ( عليهم السلام ) ، وصحاح أيضاً بمعنى صحّة العمل بها ككتاب من لا يحضره الفقيه مثلاً ، فالرواية قد تكون صحيحة من حيث الثبوت عن الأئمّة ( عليهم السلام ) وإن لم تكن صحيحة من حيث العمل كما كان ورودها على التقيّة مثلاً ، ومعرفة ذلك والحمل والترجيح من أمر الفقيه الباحث عن الأخبار العالم بطريق ذلك . وبعد زمان تدوين الكتب الأربعة طرأ في جدّهم واهتمامهم في الرواية صار اهتمامهم بضبط ما بلغ إليهم من الشيوخ من أحوال الرجال في الأسناد إلى أن آل الأمر إلى المتأخّرين ، فتركوا الرواية والقراءة من هذا الوجه بالكلية ، ووضعوا كتب الرجال والدراية ، واكتفوا بذلك عن القراءة . إلى أن آل الأمر إلى متأخّر المتأخّرين ، فصار اهتمامهم في شرح متون الروايات لبعد عرفهم عن عرف الأئمّة ( عليهم السلام ) جدّاً ، ولذلك كانوا يقرأون الكتب الأربعة ونحوها ، إلى أن آل الأمر إلى زمان تغيير وتبديل ( 1 ) وضعف وقوّة ، فقام الرجاء على قطعها . وقد استبان ممّا ذكرنا أنّ المذكورات في كتب الرجال من الاصطلاحات ليست بذاك ، وقد يقال في مقام الطعن على بعض : إنّه يروي عن الضعفاء أو يعلّق الإسناد بالإجازات أو نحو ذلك ، ومن المعلوم أنّه لا يوجب قدحاً على ما زعموا ، ألا ترى أنّ الثقات يروون عن محمّد بن سنان مثلاً كما ذكر في ترجمته ، فمن جعل ابن سنان ثقة مستقيم الرأي لزوال اضطرابه جعل ذلك تقوية في الاعتماد عليه ، ومن جعله ضعيفاً فاسد الرأي يصحّ له أن يقول في حقّ الثقات الراوين عنه أنّهم يروون عن الضعفاء لروايتهم عن ابن سنان . وبالجملة جميع مقالاتهم - أو أكثرها - يبتني إلى اجتهاداتهم ، وهو ليس بحجّة على غيرهم كما لا يخفى ، بل ليس الأمر في ذلك مختصّاً بالطبقة السابعة ، فإنّ أصحاب الأئمّة أيضاً حالهم ذلك ، وما ذكرنا عن الكافي في الإكليل في عنوان ملحق السري بن الربيع يدلّ على ذلك " جع " .
1 . زمان التغيير والتبديل إشارة إلى زمان استيلاء الأفاغنة على الشيعة في بلدة إصفهان " منه " .