فمثال ميزان الله على جهة الخصوص من الأكل والشرب ما يكتفى به بإلهام الله تعالى ، وترى الكفاف به بقدر الضرورة من الحبوب كخبز الشعير والحنطة ، وإن خطر عليك مع ذلك خوف الموت وإلقاء النفس إلى التهلكة فهو من حيل نفسك والشيطان في مقام الحقّ البهي . . . وحيث آل الأمر إلى ما ذكرنا من مثال ميزان الله على جهة الخصوص ، احتجنا إلى تقدير مثال ميزان الله في الأكل والشرب ، وهو المقصود من وضع الكتاب التباشير . . . لكن في ذلك مشقة عظيمة ، ومن كان هذا شأنه فقد أقام مقام من يرى الموت الأحمر في كلّ لحظة من لحظات زمانه . . . فمثال ميزان الله لا يدخل فيه الراحة وحقيقة ميزان الله دخول الراحة فيه يضعف شوق لقاء الله ، ويخرجك هذا الراحة عن الصراط المستقيم ، والزوال عن الصراط المستقيم الذي لا يعلم حدّ استقامته واستوائه إلا الله مقتضاه البعد شيئاً إلى نهاية البعد . . . ومن المعلوم أنّ الخروج من الميزان الوحداني الذي هو ميزان الله يستلزم الدخول إلى ميزان آخر . . . ومقابل ميزان الله تعالى من تلك الموازين الكثيرة ميزان الشيطان ، وميزان الشيطان تحت جميع الموازين . ثمّ ذكر الصحائف العشرة من الصحف الإدريسية إلى أن قال : وبالجملة لا طريق للعلم منّي في خالص الصحف الإدريسية إلاّ بعد حضور الكتاب ، والكتاب ليس بمحضري ، وكان غرضي مجرّد القراءة والمناجاة بها مع ربّي الذي جعل الأخوّة بين إدريس عليه السلام وبيني ، ولا يخفى أنّ نظم صحف الإدريسية تفترق نظم القرآن ونسقه ، لكمال إنصاف رسول الله الحبّ لله والبغض لله . . . وفي تضاعيف الصحف الإدريسية لا يتراءى ذكر العلم وأنّه تعالى محيط بكلّ شيء علماً وأمثال ذلك ممّا يناسب فيه ذكر العلم ، بل الغالب ذكر العدل . . . ومحمّد ( صلى الله عليه وآله ) قاسم الجنّة والنار ، ولا يتمّ ذلك إلاّ بأن يكون مظهراً للحبّ إلى الله والبغض في الله ، فرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صاحب المرتبة العظيمة ، وإدريس عليه السلام صاحب الرتبة الصغيرة . . . وقد استبان ممّا ذكرنا أنّ العزلة من أيّ جهة كانت هي مثال ميزان الله تعالى . . . وقد استبان أيضاً أنّ الملك لما لم يكن إلاّ ملك الله ، فيكون جلّ جلاله مراد الرجال ، ولا مراد لهم سواه في هذه النشأة الأُولى وعالم الصورة والمثال . . . وقد استبان أيضاً أنّ محمّداً ( صلى الله عليه وآله ) من عظم مقامه يختصّ كتابه بكتاب واحد لا كتاب فوقه مشتملا على جميع الكتب والصحف ، وجميع الكتب والصحف يكون من بركة محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ، وفي قرآنه يكون تبيان كلّ شيء ، وبالجملة القرآن مختصّ بمحمّد ( صلى الله عليه وآله ) ولا يكون لغيره مثل هذا القرآن ، نعم يكون لهم دون القرآن مختصّاً بالأحكام أو البشارة أو الموعظة ويكون صحفاً فيها ما يناسب حالهم وأهل ذلك الزمان وغيرهم . . . ويظهر من بعض الروايات حرمة الأكل بطريقة ما يأكل العجم . . . وربّما اتّفق بعض الصحف على نظم القرآن ، وذلك لتحقّق السبقية لهم ببركة محمّد ( صلى الله عليه وآله ) لكونهم من أُمّته . . . والصحيفة على نظم القرآن لا يخرج عن كونه