وكان من أحسن الناس كلامًا . وأتمهم نظامًا ، وأعذبهم لسانًا ، وأجودهم بيانًا . وبورك له في عمره وعمله . فروى الكثير ، وسمع كالناس منه أكثر من أربعين سنة ، وحدث بمصنفاته مرارًا . قال : وأنشدني بواسط لنفسه : يا ساكن الدنيا تأهب * وانتظر يوم الفراق وأعدَّ زاداً للرحيل * فسوف يحدى بالرفاق وابك الذنوب بأدمع * تنهل من سحب المآقي يا من أضاع زمانه * أرضيت ما يفنى بباق قال : وأنشدني : إذا رضيت بميسور من القوت * أصبحت في الناس حرًا غير ممقوت يا قوت نفسي إذا ما در خلقك لي * فلست آسى على درّ وياقوت وقال الموفق عبد اللطيف : كان ابن الجوزي لطيف الصورة ، حلو الشمائل ، رخيم النغمة ، موزون الحركات والنغمات ، لذيذ المفاكهة . يحضر مجلسه مائة ألف أو يزيدون . لا يضيع من زمانه شيئًا ، يكتب في اليوم أربعة كراريس ، ويرتفع له كل سنة من كتابته ما بين خمسين مجلدًا إلى ستين . وله في كل علم مشاركة ، لكنه كان في التفسير من الأعيان ، وفي الحديث من الحفاظ ، وفي التاريخ من المتوسعين ، ولديه فقه كافٍ . وأما السجع الوعظي فله فيه ملكة قوية ، إن ارتجل أجاد ، وإن روى أبدع . وله في الطب كتاب " اللقط " مجلدان . وكان يراعي حفظ صحته ، وتلطيف مزاجه وما يفيد عقله قوة ، وذهنه حِدّة . جُل غذائه الفراريج والمزاوير . ويعتاض عن الفاكهة بالأشربة والمعجونات . ولباسه أفضل لباس : الأبيض الناعم المطيب . ونشأ يتيمًا على العفاف والصلاح . وله ذهن وقّاد ، وجواب حاضر ، ومجون لطيفة ، ومداعبات حلوة ، لا ينفك من جارية حسناء .