قال : وتكلمت في جامع المنصور هذه الأيام . فبات ليلته في الجامع خلق كثير . وختمت الختمات . واجتمع الناس بكثرة . فحرز الجمع بمائة ألف . وتاب خلق كثير . وقطعت شعورهم ، ثم نزلت فمضيت إلى قبر أحمد . فتبعني خلق كثير حرزوا بخمسة آلاف . قال : وبني للشيخ أبي الفتح بن المني دكة في موضع جلوسه في الجامع . فتأثر أهل المذاهب من ذلك ، وجعل الناس يقولون لي : هذا بسببك ، فإنه ما ارتفع هذا المذهب عند السلطان حتى مال إلى الحنابلة إلا بسماع كلامك ، فشكرت اللّه تعالى على ذلك . ولقد قال لي صاحب المخزن : ما يخرج إليَّ شيء من عند السلطان فيه ذكرك ، إلا ويثني عليك ، وقال له يومًا بختاج الخادم : أنت تتعصب لفلان ؟ فقال له : واللّه ما يتعصب له سيدك إلا بقدر ما تتعصب له خمسين مرة ، وما يعجبه كلام غيره . وكان الوزير ابن رئيس الرؤساء يقول : ما دخلت قط على الخليفة إلا أجري ذكر فلان ، يعنيني . قال الشيخ : وصار لي اليوم خمس مدارس ، ومائة وخمسين مصنفًا في كل فن وقد تاب على يدي أكثر من مائة ألف ، وقطعت أكثر من عشرة آلاف طائلة ، ولم ير واعظ مثل جمعي ، فقد حضر مجلسي الخليفة والوزير ، وصاحب المخزن ، وكبار العلماء والحمد لله على نعمه . وذكر في هذه السنة : أنه تكلم يومًا بحضرة الخليفة ، وحكى له موعظة شيبان للرشيد ، قال : وقلت له في كلامي : يا أمير المؤمنين ، إن تكلمت خفت منك ، وإن سكت خفت عليك ، وأنا أقدم خوفي عليك على خوفي منك . قال ابن القطيعي : سمعت من أثق به . قال : لما سمع أمير المؤمنين المستضيء ابن الجوزي ينشد تحت داره : ستنقلك المنايا عن ديارك * وَيُبْدِلُكَ الردى دارًا بدارك