أن تم ، فسجدت على المنبر سجدة الشكر ، وقلت : ما عرفت أن واعظًا فسر القرآن كله في مجلس الوعظ منذ نزل القرآن ، ثم ابتدأت في ختمة أفسرها على الترتيب والله قادر على الإنعام والإتمام ، والزيادة من فضله . قال : وتقدم إليَّ بالجلوس تحت المنظرة في رجب ، فتكلمت يوم الخميس خامس رجب بعد العصر ، وحضر السلطان ، وأخذ الناس أماكنهم من بعد صلاة الفجر ، وأكريت دكاكين ، فكان موضع كل رجل بقيراط ، حتى إنه اكترى دكاناً لثمانية عشر رجلاً بثمانية عشر قيراطًا ، ثم جاء رجل فأعطاهم ستة قراريط حتى جلس معهم . وكان الناس يقفون يوم مجلسي من باب بدر إلى باب النوبي كأنه العيد ، ينظر بعضهم بعضًا ، وينظرون قطع المجلس . قال : وفي شعبان سلمت إلى المدرسة التي للجهة " بنفشا " وكانت قد سلمتها إلى أبي جعفر بن الصباغ ، فبقي المفتاح معه أيامًا ، ثم استعادت منه المفتاح ، وسلمته إلي من غير طلب كان مني ، وكتبت في كتاب الوقف : إنها وقف على أصحاب أحمد ، وأسندتها إليّ ، ثم كتبت على حائطها : اسم الإمام أحمد ، وأنها مفوضة إلى ناصر السنة ابن الجوزي . وتقدم إليّ بذكر الدرس فيها . وحضر قاضي القضاة وحاجب الباب ، وفقهاء بغداد وخلعت عليّ خلعة ، وخرج الدعاة بين يدي والخدم ، ووقف أهل بغداد من باب النوبي إلى باب المدرسة كما يكون في العيد وأكثر . وكان على باب المدرسة ألوف ، وألقيت يومئذ دروسًا كثيرة من الأصول والفروع وكان يومًا مشهودًا لم ير مثله ، ودخل على قلوب أهل المذاهب غم عظيم . وتقدم ببناء دكة لنا في جامع القصر . فانزعج لهذا جماعة من الأكابر ، وقالوا : ما جرت عادة الحنابلة بدكة ، فبنيت ، فجلست فيها يوم الجمعة ثالث رمضان . وذكر بعض أصحاب أبي حنيفة في الإفطار بالأكل - يعني ناسيًا - واعترضت عليه يومئذ ، وازدحمت العوام حتى امتلأ صحن الجامع ، ولم يمكن الأكثرين حصول النظر إلينا ، وحفظ الناس بالرجالة ، خوفًا من فتنة ، وما زال