الثالث : ما يراه الإمام كفًا لفساد مسد لقوله تعالى : " وآخرين مقرنين في الأصفاد " 38 : 38 ، وما يراه أبو حنيفة في قطّاع الطريق ، فإنه يحبسهم حتى يتوبوا . فأما الحبس على الدين فمن الأمور المحدثة ، وأول من حبس فيه شريح القاضي وقضت السنة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان : أنه لا يحبس على الدين ، ولكن يتلازم الخصمان . فأما الحبس الذي هو الآن فإني لا أعرف أنه يجوز عند أحد من المسلمين . وذلك أنه يجمع الجمع الكثير في موضع يضيق عنهم ، غير متمكنين من الوضوء والصلاة ، ويتأذون بذلك بحره وبرده . فهذا كله محدث . ولقد حرصت مرارًا على فكه ، فحال دونه ما قد اعتاده الناس منه ، وأنا في إزالته حريص واللّه الموفق . وقال في حديث الزبير في سراج الحرة : فيه جواز أن يكون السقي للأول ، ثم الذي بعده . إلا أن هذا في النخل خاصهّ ، وما يجري مجراه وأما الزرع وما لا يصبر على العطش أكثر من جمعة ونحو ذلك : فإن الماء يتناصف فيه بالسوية ، كما قال تعالى : " ونبئهم أن الماء قسمة بينهم " القمر : 29 . وقال في سورة الضحى : لما توالى فيها قسمان ، وجوابان مثبتان ، وجوابان نافيان ، فالقسمان : " والضحى والليل إذا سجى " والجوابان النافيان : " ما ودعك ربك وما قلى " ، والجوابان المثبتان : " وللآخرة خير لك من الأولى . ولسوف يعطيك ربك فترضى " . ثم قرر بنعم ثلاث ، وأتبعهن بوصايا ثلاث : كل واحدة من الوصايا شكر النعمة التي قوبلت بها . فإحداهن : " ألم يجدك يتيمًا فآوى " وجوابها : " فأما اليتيم فلا تقهر " . والثانية : " ووجدك ضالاً فهدى " فقابلها بقوله : " وأما السائل فلا تنهر " وهذا لأن السائل ضال يبغي الهدى . والثالثة : " ووجدك عائلاً فأغنى " فقابلها بقوله : " وأما بنعمة ربك فحدث " .