الدين والفقراء ، بحيث سمعته في بعض الأيام يقول لبعض الفقراء وهو يخاطبه : أنت أخي ، والمسلمون كلهم إخوة . قال : ولقد كنا يومًا بالمجلس على العادة لسماع الحديث ، إذ دخل حاجبه أبو الفضائل بن تركان . فسار الوزير بشيء لم يسمعه أحد . فقال له الوزير : أدخل الرجل ، فأبطأ عليه . فقال الوزير : أين الرجل . فأبطأ . فقال : أين الرجل . فقال الحاجب : إن معه شملة صوف مكورة . وقلى قلت له : اتركها مع أحد الغلمان خارجًا عن الستر وادخل . قال : لا أدخل إلا وهي معي . فقال له الوزير : دعه يدخل وهي معه ، فخرج وعاد . وإذا معه شيخ طوال من أهل السواد ، وعليه فوطة قطن ، وثوب خام ، وفي رجليه جمجان ، فسلم ، وقال للوزير : يا سيدي ، إن أم فلان - يعني : أم ولده - لما علمت أني متوجه إليه . قالت لي : باللّه سلم على الشيخ يحيى عني ، وادفع إليه هذه الشملة فقد خبزتها على اسمه ، فتبسم الوزير إليه وأقبل عليه ، وقال : الهدية لمن حضر ، وأمر بحلها ، فحلت الشملة بين يديه وإذا فيها خبز شعير مشطور بكامخ اكشوت . فأخذ الوزير منه رغيفين ، وقال : هذا نصيبي ، وفرق الباقي على من حضر من صدور الدولة ، والسادة الأجلة ، وسأله عن حوائجه جميعها . وتقدم بقضائها على المكان ، ثم التفت إلى الجماعة وقال : هذا شيخ قد تقدمت صحبتي له قديمًا ، واختبرته في زرع بيننا فوجدته أمينًا ، ولم يظهر منه تأفف بمقال الشيخ ، ولا تكبر عليه ، ولا أعرض عنه ، بل أحسن لقاءه ، وقضى حوائجه ، وأجزل عطاءه . ثم حكى : أنه كان بينه وبين هذا الشيخ زرع ، وأنهم خشوا عليه من جيش عظيم نزل عندهم فقرأوا على جوانبه القرآن فسلم ولم يرع منه سنبلة واحدة . قال : ودخل عليه يومًا نقيب نقباء الطالبين الطاهر بن أحمد بن علي الحسيني فسلم عليه وخدمه ، وسأله رفع رقعة له إلى الخليفة المستنجد ، وأن يتكلم له عند عرضها ولا يهملها ، فتبسم وقال : والله ما أهملت لأحد رقعة قط ، ولا حاجة