وصلاته وسلامه على صفيّه ، الذي أقسم به في إقامة حقّه ، محمد وآله ، كثيرا .
وبعد ، فانّ جماعة من الراغبين في الوقوف على منازل السائرين إلى الحقّ عزّ اسمه ، من الفقراء من أهل هراة والغرباء ، طال علىّ مسألتهم إياي زمانا ، أن أبيّن لهم في معرفتها بيانا ، يكون على معالمها عنوانا . فأجبتهم بذلك ، بعد استخارتي الله ، واستعانتى به . وسألونى أن أرتّبها لهم ترتيبا ، يشير إلى تواليها ، ويدلّ على الفروع التي تليها ، وأن أخليه من كلام غيري ، وأختصره ، ليكون ألطف في اللفظ وأخفّ للحفظ .
وإني خفت أنى إن أخذت في شرح قول أبي بكر الكتّانى [1] :
« إنّ بين العبد والحقّ ألف مقام من نور وظلمة » طوّلت علىّ وعليهم . فذكرت أبنية تلك المقامات ، التي تشير إلى تمامها ، وتدلّ على مرامها . وأرجو لهم ، بعد صدق قصدهم ، ما قال أبو عبيد البسرى : [2] « إنّ لله عبادا ، يريهم في بداياتهم ما في

[1] قال السلمي ( طبقات الصوفية : 373 ) : « هو محمّد بن علي بن جعفر الكتاني ، وكنيته أبو بكر ، ويقال : أبو عبد اللَّه - وأبو بكر أصحّ - أصله من بغداد . صحب الجنيد وأبا سعيد الخزّاز وأبا الحسين النوري . وأقام بمكّة مجاورا بها إلى أن مات . مات سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة » . راجع ترجمته في حلية الأولياء . 10 - 357 ، الرسالة القشيرية : 1 - 190 ، تاريخ بغداد : 3 - 74 .
[2] أبو عبيد البسري من كبار مشايخ الصوفية ، صحب أبا تراب النخشبي ، مات سنة ستّ وأربعين ومائتين . قال السمعاني ( الأنساب : 1 - 350 ) : « هو منسوب إلى بصرى - قرية من قرى الشام - فأبدل الصاد بالسين . . . » وأنكر ذلك غيره من المؤرّخين . فقال ياقوت : « بسر - بالضم - اسم قرية من أعمال حوران من أراضي دمشق بموضع يقال له : اللحا . . . وينسب إليها أبو عبيد محمّد بن حسان البسري الحساني الزاهد . . . » .

26