responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 94


وكان هذا يقول أقمت نفسي في العبودية مقام الأجراء فأنا أعمل مياومة ومجامعة ومشاهرة ومسانهة وإنما حجب الخلق عن فهم كنه الكلام ومعرفة سرّ المراد لأنه حجبهم عن حقيقة كنه معرفته وإنما أعطاهم من معرفة الكلام بقدر ما أعطاهم من معرفة المتكلم إذ بمعاني كلامه تعرف معاني صفاته وأفعاله وأحكامه ولأن معاني كلامه من معاني أوصافه وأخلاقه ، فلذلك جاء فيه السهل اللطيف والشديد العسوف والمرجو والمخوف ، لأن من أوصافه الرحمة واللطف والانتقام والبطش . فلما لم يصلح أن يعرفوه كعلمه بنفسه لم يصلح أن يعلم كنه كلامه إلا هو ، ويعرف كنه صفاته إلا هو . فأعلم الخلق لمعاني كلامه أعرفهم لمعاني الصفات وأعرف العباد بمعاني الأوصاف والأخلاق وغوامض الأحكام أعرفهم بسرائر الخطاب ووجه الحروف ومعاني باطن الكلام ، وأحقهم بذلك أخشاهم له أقربهم منه ، وأقربهم منه من خصّه بأثرته وشمله بعنايته . فقد جاء في الخبر : أحسن الناس صوتا بالقرآن من إذا قرأ رأيت أنه يخشى الله ، ولا يخشاه حتى يعرفه ، ولا يعرفه حتى يعامله ولا يعامله حتى يقربه ، ولا يقربه حتى يعني به ، وينظر إليه ، فعندها يعرف سرّ الخطاب ويطلع على باطن الكتاب . فإذا سجد العبد سجود القرآن فليدع في سجدته بمعاني الآية من الخير وليستعذ من معاني شرّها فإن ذلك فعل العلماء بالقرآن والله يحب ذلك . ولتلك المعاني أسجدهم له مثل أن يقرأ قوله عزّ وجلّ : * ( خَرُّوا سُجَّداً وسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ) * [ السجدة : 15 ] . فيقول اللَّهم اجعلني من الساجدين لوجهك المسبحين بحمدك وأعوذ بك أن أكون من المستكبرين عن أمرك أو على أوليائك . ومثل هذا قوله عزّ وجلّ : * ( ويَخِرُّونَ لِلأَذْقانِ يَبْكُونَ ويَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) * [ الإسراء : 109 ] . فليقل : اللَّهم اجعلني من الباكين إليك الخاشعين لك وعلى هذه المعاني ونحوها وليكن القرآن هو علمه وعمله وذكره ودعاؤه وهمّه وشغله فعنه يسأل وعليه يثاب ومقامه منه وذكره فيه وأحواله فيه مجموع له ذلك كله فيه . فبكلامه عرفه العارفون وبمخاطبته شهد أوصافه الموقنون فعلومهم من كلامه ومواجيدهم عن علومهم ومشاهدتهم عن معاني أوصافه وكلامهم عن مشاهدتهم لأن ضروب الكلام عن الله هي معاني الصفات : فمنه كلام راض ومنه كلام غضبان ومنه كلام منعم وكلام منتقم وكلام جبّار متكبّر وحنّان متعطَّف ، فإذا كان العبد من أهل العلم باللَّه والفهم عنه والسمع من الله عزّ وجلّ والمشاهدة له شهد ما غاب عن غيره وأبصر ما عمي عنه سواه . وقد قال سبحانه وتعالى : * ( فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ . وما لا تُبْصِرُونَ ) * [ الحاقة : 39 - 38 ] وقال عزّ وجلّ : * ( فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الأَبْصارِ ) * [ الحشر : 2 ] معناه في الفهم أعبروا إليّ فقد أبصرتم فالتاء قد تكون بمعنى تاء التفعل تدخل للتحقيق

94

نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 94
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست