نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 380
وهكذا جاء في التفسير : ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة قال : هو العبد يذنب الكبائر ويلقى بيده ولا يتوب ويقول : قد هلكت لا ينفعني عمل فنهوا عن ذلك إلا أن الرجاء مقام جليل وحال شريف نبيل لا يصلح إلا للكرماء من أهل العلم . والحياء وهو حال يحول عليهم بعد مقام الخوف ، يروحون به من الكرب ويستريحون إليه من مقارفة الذنب ، ومن لم يعرف الخوف لم يعرف الرجاء ، ومن لم يقم في مقام الخوف لم يرفع إلى مقامات أهل الرجاء على صحة وصفاء ورجاء . كل عبد من حيث خوفه ومكاشفته عن أخلاق مرجوة من معنى ما كان كوشف به من صفات مخوفة ، فإن كان أقيم مقام المخوفات من المخلوقات مثل الذنوب والعيوب والأسباب ، رفع من حيث تلك المقامات إلى مقامات الرجاء ، بتحقيق الوعد وغفران الذنب وتشويق الجنان وما فيها من الأوصاف الحسان ، وهذه مواجهات أصحاب اليمين وإن كان أقيم مقام مخاوف الصفات عن مشاهدة معاني الذات مثل سابق العلم وسوء الخاتمة وخفي المكر وباطن الاستدراج وبطش القدرة وحكم الكبر والجبروت ، رفع من هذه المقامات إلى مقام المحبة والرضا ، فرجا من معاني الأخلاق وأسماء الكرم والإحسان والفضل والعطف واللطف والامتنان ، وليس يصحّ أن نخبر بكل ما نعلم من شهادة أهل الرجاء في مقامات الرجاء من قبل أنه لا يصلح لعموم المؤمنين ، وهو يفسد من لم يرزقه أشد الفساد فليس يصلح إلا بخصوصه ولا يجديه ولا يستجيب له ولا يستخرج إلا من المحبة ولا محبة إلا بعد نصح القلب من الخوف . وأكثر النفوس لا يصلح إلا على الخوف ، كعبيد السوء لا يستقيمون إلا بالسوط والعصا ثم يواجهون بالسيوف صلتا . ومن علامة صحة الرجاء في العبد كون الخوف باطنا في رجائه لأنه لما تحقق برجاء شيء خاف فوته لعظم المرجوّ في قلبه وشدة اغتباطه به ، فهو لا ينفك في حال رجائه من خوف فوت الرجاء ، والرجاء هو ترويحات الخائفين ، ولذلك سمّت العرب الرجاء خوفا لأنهما وصفان لا ينفك أحدهما عن الآخر . ومن مذهبهم أن الشيء إذا كان لازما لشيء أو وصفا له أو سببا منه ، أن يعبّروا عنه به فقالوا : ما لك لا ترجو كذا وهم يريدون ما لك لا تخاف ؟ وعلى هذه اللغة جاء قول الله تعالى : * ( ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً ) * [ نوح : 13 ] أجمعوا على تفسيره : ما لكم لا تخافون لله عظمة ، وهو أيضا أحد وجهي تفسير قوله تعالى : * ( فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ ) * [ الكهف : 110 ] أي يخاف من لقائه ومثل الخوف من الرجاء ، مثل اليوم من الليلة لما لم ينفك أحدهما عن الآخر جاز أن يعبر عن المدة بأحدهما فيقال : ثلاثة أيام وثلاث ليال . ومنه قول الله تعالى مخبرا عن قصة واحدة فقال عزّ وجلّ : * ( آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا ) * [ مريم : 10 ] .
380
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 380