responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 368


وقد قال الله تعالى أصدق القائلين وأحسن الواصفين : * ( وإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لا تُحْصُوها إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) * [ إبراهيم : 34 ] . فتمّت النعمة بوصفيه اللذين هو لهما أهل من المغفرة والرحمة ثم قال أيضا في مثله : * ( إِنَّ الإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) * [ إبراهيم : 34 ] فكان أعظم للنعمة وأوسع في الكرم والمنّة على وصفي الإنسان اللذين هو أهل لهما من الظلم والكفر . فهو سبحانه وتعالى أهل التقوى وأهل المغفرة والعبد أهل لما وصفه به مولاه عزّ وجلّ إلى أن يجود عليه بقديم ما به تولاه فبنعمته أطاعه العاملون ، ومن نعمته جازاهم وبنعمته عصاه الجاهلون ، ومن نعمته ستر وحلم عنهم ، ومن النعم إظهار الجميل وستر القبيح فلا ندري أي النعمتين أعظم جميل ما أظهر أو قبيح ما ستر . وقد يمدح الله تعالى بالوصفين معا في الدعاء المأثور : يا من أظهر الجميل وستر القبيح . ومن النعمة الصحة والفراغ هما أوّل نعيم الدنيا وأصول أعمال الآخرة وبهما تكون المغابنات كما قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ . وقال الفضيل بن عياض : عليكم بمداومة الشكر على النّعم فقلّ نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم . وقال بعض السلف : النّعم وحشية فقيدوها بالشكر . وقد روي في خبر : ما عظمت نعمة الله تعالى على عبد إلَّا كثرت حوائج الناس إليه . فمن تهاون بهم عرض تلك النعمة للزوال .
وقد قال الله تعالى : * ( إِنَّ الله لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ) * [ الرعد :
11 ] قيل : لا يغير نعمه عليهم حتى يغيّروها بتضييع الشكر فيعاقبهم بالتغيير والوجه الآخر لا يغير ما بهم من عقوبة حتى يغيّروا معاصيهم بالتوبة . فذكر بذلك السبب الأوّل من حكمه ثم ذكر السبب الثاني من حكمته وهو مسبّب الأسباب للحكمة والمشيئة ويقال :
إن تحت كل شعرة من جسم العبد نعمة ، وبكل عرق في جسده نعمتان في تسكينه وتحريكه ، وفي كل عظم أربع نعم ، وبكل مفصل سبع نعم ، وفي جسم الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلا ، ومثل ذلك من العظام ، وفي كل طرفة نعمتان ، وبكل نفس نعمتان ، وفي كل دقيقة تأتي عليه من عمره نعم لا تحصى ، والدقيقة جزء من اثني عشر جزءا من شعيرة ، والشعيرة جزء من اثني عشر جزءا من ساعة ، والأنفاس أربعة وعشرون ألف نفس في اليوم والليلة . وفي أخبار موسى عليه السلام : يا ربّ كيف أشكرك ولك في كل شعرة من جسدي نعمتان إن لينت أصلها وإن طمنت رأسها .
وقد روينا في الأثر : من لم يعرف نعم الله تعالى عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قلّ علمه وحضر عذابه ، هذا مع سوابغ العوافي والكفايات والوقايات . ويقال : إن في باطن

368

نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 368
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست