نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 322
يضطره إلى جريرة ولا يتبع هوى ويتبع من مضى من السلف . وينبغي لأهل التوبة أن يحاسبوا نفوسهم في كل طرفة ويدعوا كل شهوة ويتركوا الفضول وهي ستة أشياء : ترك فضول الكلام ، وترك فضول النظر ، وترك فضول المشي ، وترك فضول الطعام ، والشراب ، واللباس . قال : ولا يقوى على ترك الشبهات إلا من ترك الشهوات . وسئل يحي بن معاذ رحمه الله كيف يصنع التائب ؟ فقال : هو من عمره بين يومين ، يوم مضى ويوم بقي . فيصلحهما بثلاث : أما ما مضى فبالندم والاستغفار ، وأما ما بقي فبترك التخليط وأهله ولزوم المريدين ومجالسة الذاكرين والثالثة لزوم تصفية الغذاء والدأب على العمل . ومن علامة صدق التوبة رقة القلب وغزارة الدمع . وفي الخبر : جالسوا التوابين فإنهم أرقّ شيء أفئدة ومن التحقق بالتوبة أن يستعظم ذنوبه فإنه يقال إن الذنب كلما استعظمه العبد صغر عند الله تعالى ويقال : إن استصغار الذنب كبيرة . كما جاء في الخبر : المؤمن الذي يرى ذنبه كالجبل فوقه يخاف أن يقع عليه والمنافق الذي يرى ذنبه كذباب مرّ على أنفه فأطاره . وقد روينا في خبر مرسل : ليتّق أحدكم أن يؤخذ عند أدنى ذنوبه في نفسه . وقال بعضهم : الذنب الذي لا يغفر قول العبد : ليت كل شيء عملته مثل هذا فهذا كما قال بلال بن سعد : لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت . وقد حدثنا عن الله تعالى أنه أوحى إلى بعض أوليائه : لا تنظر إلى قلة الهدية وانظر إلى عظمة مهديها ولا تنظر إلى صغر الخطيئة وانظر إلى كبرياء من واجهته بها فإنما عظمت الذنوب من تعظيم المواجه بها وكبرت في القلوب لمشاهدة ذي الكبرياء ومخالفة أمره إليها فلم يصغر ذنب عند ذلك وكانت الصغائر عند الخائفين كبائر وهذا أحد الوجهين في قوله تعالى : * ( ذلِكَ ومن يُعَظِّمْ حُرُماتِ الله فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ . . . ومن يُعَظِّمْ شَعائِرَ الله فَإِنَّها من تَقْوَى الْقُلُوبِ ) * [ الحج : 30 - 32 ] قيل : الحرمات تعظم في قلبه فلا ينتهكها . ومن هذا قول الصحابة للتابعين : إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدّها في عهد النبي صلَّى الله عليه وسلم من الموبقات ليسوا يعنون أن الكبائر التي كانت على عهد النبي صلَّى الله عليه وسلم صارت بعده صغائر ولكن كانوا يستعظمون الصغائر لعظمة الله تعالى في قلوبهم لعظيم نور الإيمان . ولم يكن ذلك في قلوب من بعدهم . وأوحى الله تعالى إلى بعض أوليائه : كم من ذنب رأيته منك قد أهلكت بدونه أمة من الأمم . وقد روينا عن أبان بن إسماعيل عن أنس عن النبي صلَّى الله عليه وسلم : إنه أهلك الله تعالى أمة من الأمم كانوا يعبثون بذكورهم فأما نسيانه الذنوب وذكرها فقد اختلف قول العارفين في
322
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 322