responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 312


جلسائنا خير فقال : من ذكركم باللَّه تعالى رؤيته وزاد في علمكم منطقه وذكركم بالآخرة عمله . فأمّا الذي يطلب دنياهم حتى يكون مثلهم فإذا رأوه اعتبطوا بحالهم فهذا شر منهم لأنه يدعو إلى نفسه لا إلى مولاه ولأنه طامع فيهم وهم زاهدون فيه . فالعلماء الذين هم ورثة الأنبياء هم الورعون في دين الله عزّ وجلّ ، الزاهدون في فضول الدنيا الناطقون بعلم اليقين والقدرة لا علم الرأي والهوى ، والصامتون عن الشبهات والآراء لا يختلف هذا إلى يوم القيامة عند العلماء الشهداء على الله تعالى برأي قائل ولا بقول مبطل جاهل .
كما روي عن عبد الله بن عمر وعن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم : صلح أول هذه الأمة بالزهد واليقين ويهلك آخرها بالبخل والأمل . وقال يوسف بن أسباط : كتب إلى حذيفة المرعشي ما ظنك بمن قد بقي لا يجد أحدا يذكر الله تعالى معه إلا كان آثما وكانت مذاكرته معصية وذلك أنه لا يجد أهله قلت ليوسف : يا أبا محمد وتعرفهم قال : لا يخفون علينا ويقال : إن الأبدال إنما انقطعوا في أطراف الأرض واستتروا عن أعين الجمهور لأنهم لا يطيقون النظر إلى علماء هذا الوقت ولا يصبرون على الاستماع لكلامهم لأنهم عندهم جهّال باللَّه تعالى وهم عند أنفسهم وعند الجاهلين علماء ، فقد صاروا من أهل الجهل وأهل الجهل بالجهل على الوصف الذي قال سهل رحمه الله : إن من أعظم المعاصي الجهل بالجهل والنظر إلى العامة واستماع كلام أهل الغفلة أيسر عندهم لأنهم لا يعدمون ذلك حيث كانوا من أطراف الأمصار لأن العامة لا يموّهون في الدين ولا يغرون المؤمنين ولا يدّعون أنهم علماء لأنهم يتعلمون وبالجهل معترفون ، فهم إلى الرحمة أقرب ومن المقت أبعد .
وكان أبو محمد أيضا يقول : قسوة القلب بالجهل بالعلم أشد من القسوة بالمعاصي لأن الجاهل بالعلم تارك ومدّع والعاصي بالفعل مقرّ بالعلم . ويقول أيضا : لأن العلم دواء به تصلح الأدواء فهو يزيل فساد الأعمال بالتدارك ، والجهل داء يفسد الأعمال بعد صلاحها فهو يزيل الحسنات فيجعلها سيئات . فكم بين ما يصلح الفاسد وبين ما يفسد الصالحات . وقد قال الله تعالى : * ( إِنَّ الله لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ) * [ يونس : 81 ] .
وقال تعالى : * ( إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ) * [ الأعراف : 170 ] فهذا من أدل دليل على فضل العالم المقصر على العابد المجتهد . وأعلم أن العبد إذا باين الناس في كل شيء من أحوالهم انفرد عن جمعهم ولم يألف أحدا منهم وإن باينهم في أكثر أحوالهم اعتزل عن الأكثر منهم فإن فارقهم في بعض الأحوال ووافقهم في بعض حاله خالط أهل الخير وفارق أهل الشر .

312

نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 312
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست