نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 264
المحجة ، أو مفت عالم عند نفسه موسوم بالفقه عند أصحابه يقول هذا من أحكام الآخرة ومن علم الغيب لا نتكلم فيه لأنّا لم نكلفه وهو في أكثر مناظرته يتكلم فيما لم نكلف ويجالد فيما لم ينطق به السلف ويتعلم ويعلم ما علمه بتكلف ولا يعلم المسكين أنه كلف علم يقين الإيمان وحقيقة التوحيد ومعرفة إخلاص المعاملة وعلم ما يقدح في الإخلاص ويخرج من جملته قبل ما هو فيه لأنه متكلف لبعض ما هو يبتغيه لأن علم الإيمان وصحة التوحيد وإخلاص العبودية للربوبية وإخلاص الأعمال من الهوى الدنيوية وما يتعلق بها من أعمال القلوب هو من الفقه في الدين ونعت أوصاف المؤمنين إذ مقتضاه الإنذار والتحذير لقوله تعالى : * ( لِيَتَفَقَّهُوا في الدِّينِ ولِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ ) * [ التوبة : 122 ] الآية . ولقول الرسول صلَّى الله عليه وسلم : تعلموا اليقين فإني متعلم معكم ولقول الصحابة رضي الله عنهم تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيمانا فهذا مزيدا الهداية بالإيقان وهو زيادة المؤمنين في الإيمان كما قال تعالى : * ( فَزادَهُمْ إِيماناً ) * [ آل عمران : 173 ] . وقال عزّ وجلّ : * ( ويَزِيدُ الله الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً ) * [ مريم : 76 ] ولا يشعر أن حسن الأدب في المعاملة بمعرفة ويقين هو من صفات الموقنين وذلك هو حال العبد في مقامه بينه وبين ربه عزّ وجل ونصيبه من ربه تعالى ، وحظه من مزيد آخرته . وذلك معقود بشهادة التوحيد الخالصة المقترنة بالإيمان من خفايا الشرك وشعب النفاق وهو مقترن بالفرائض وفرض فرضها الإخلاص بالمعاملة وإن علم ما سوى هذا مما قد أشرب قلبه وحبب إليه من فضول العلوم وغرائب الفهوم إنما هو حوائج الناس ونوازلهم فهو حجاب عن هذا واشتغال عنه ، فآثر هذا الغافل لقلة معرفته بحقيقة العلم النافع ما زين له طلبه وحبّب إليه قصده ، آثر حوائج الناس وأحوالهم على حاجته وحاله وعمل في أنصبتهم منه في عاجل دنياهم من نوازل طوارقهم وفتياهم ولم يعمل في نصيبه الأوفر من ربه الأعلى لأجل آخرته التي هي خبر وأبقى إذ مرجعه إليها ومثواه المؤبد فيها ، فآثر التقرب منهم على القربة من ربه عز وجلّ وترك للشغل بهم حظه من الله تعالى إلا جزل وقدم التفرغ لهم على فراغ قلبه لما قدم لغده من تقواه بالشغل بخدمة مولاه وطلب رضاه واشتغل بصلاح ألسنتهم عن صلاح قلبه وظواهر أحوالهم عن باطن حاله وكان سبب ما بلي به حب الرئاسة وطلب الجاه عند الناس والمنزلة بموجب السياسة والرغبة في عاجل الدنيا وعزها بقلة الهمة وضعف النية في عاجل الآخرة وذخره فأفنى أيامه لأيامهم وأذهب عمره في شهواتهم ليسميه الجاهلون بالعلم عالما وليكون في قلوب البطالين عندهم فاضلا فورد القيامة مفلسا وعند ما يراه من أنصبة المقربين مبلسا إذ فاز بالقرب العاملون وريح الرضا العالمون
264
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 264