نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 242
استفتي في فتيا إلا ودّ أن صاحبه قد كفاه ذلك . وقال مرة : أدركت ثلاثمائة يسأل أحدهم عن الفتيا أو الحديث فيرد ذلك إلى الآخر ويحيل الآخر على صاحبه وكانوا يتدافعون الفتيا ما بينهم ولم يكونوا إذا سئل أحدهم عن مسألة من علم القرآن أو علم اليقين والإيمان يحيل على صاحبه ولا يسكت عن الجواب . وقد قال الله سبحانه : * ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) * [ النحل : 43 ] فهم أهل الذكر لله تعالى وأهل التوحيد والعقل عن الله تعالى ولم يكونوا يتلقنون هذا العلم دراسة من الكتب ولا يتلقاه بعضهم من بعض بالألسنة إنما كانوا أهل عمل وحسن معاملات فكان أحدهم إذا انقطع إلى الله تعالى واشتغل به واستعمله المولى بخدمته بأعمال القلوب وكانوا عنده في الخلوة بين يديه لا يذكرون سواه ولا يشتغلون بغيره فإذا ظهروا للناس فسألوهم ألهمهم الله تعالى رشدهم ووفقهم لسديد قولهم وآتاهم الحكمة ميراثا لأعمالهم الباطنة عن قلوبهم الصافية وعقولهم الزاكية وهممهم العالية فآثرهم بحسن توفيقه أن ألهمهم حقيقة العلم وأطلعهم على مكنون السر حين آثروه بالخدمة وانقطعوا إليه بحسن المعاملة فكانوا يجيبون عما عنه يسألون بحسن أثرة الله تعالى لهم وبجميل أثره عندهم فتكلموا بعلم القدرة وأظهروا وصف الحكمة ونطقوا بعلوم الإيمان وكشفوا بواطن القرآن وهذا هو العلم النافع بين العبد وبين الله تعالى وهو الذي يلقاه به ويسأله عنه ويثيبه عليه وهو ميزان جميع الأعمال . وعلى قدر علم العبد بربه تعالى ترجح أعماله وتضاعف حسناته وبه يكون عند الله تعالى من المقربين لأنه لديه من الموقنين فهم أهل الحقائق الذين وصفهم علي عليه السلام وفضلهم على الخلائق . فقال في وصفهم القلوب أوعية وخيرها أوعاها والناس ثلاثة : عالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا إلى ركن وثيق . العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال . والعلم يزكيه العمل والمال تنقصه النفقة . محبة العلم دين يدان به يكسبه الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد موته ، العلم حاكم والمال محكوم عليه ، ومنفعة المال تزول بزواله . مات خزان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر ثم تنفس الصعداء فقال : ها إن هاهنا علما جما لو أجد له حملة بلى أجد لقنا غير مأمون يستعمل الدين في طلب الدنيا ويستطيل بنعم الله تعالى على أوليائه ويستظهر بحججه على خلقه أو منقادا لأهل الحق ينزرع الشك في قلبه بأوّل عارض من شبهة لا بصيرة له
242
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 242