نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 204
وكذلك تولى بعض الظالمين بعضا وقال : * ( تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ) * [ البقرة : 118 ] . فيتبعون ما تشابه منه فكم بين من ثبت قلبه فرسخ العلم فيه وبين من أزاغه فمال إلى فتنة التأويل يبتغيه وشتان بين من تولاه بنفسه إذ صلح له وبين من ولَّاه إذا أعرض عنه فهذه مقامات المبعدين كما تلك مقامات المقربين فقد دخلوا تحت حكمين لم يخرجوا منهما أعلاهم دخل تحت فضله وأدناهم لم يخرج من عدله وقد أجمل سبحانه وصفهم بقوله : * ( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ من فَضْلِهِ ) * [ الروم : 45 ] وقال في ذكر العموم : * ( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ ) * [ يونس : 4 ] . بالقسط فخص أولياءه بالفضل وعمّ خلقه بالعدل . فكم من قلب لا يشهد إلا الله ولا يسمع إلا منه ولا إليه والله هو الأغلب على همه والأقرب إلى قلبه وبين قلب حشوه الخلق وهمه الرزق لا ينظر إلا إليهم ولا يطمع إلا فيهم ولا ينظر إلا هم الخلق أغلب شيء عليه والخلق أقرب شيء إليه . فهذا من المبعدين بهم لأن البعد صفتهم وظهور النفس عليه وتحكم سلطانها فيه مكان البعد الذي يوجد البعد معه والأوّل من المقربين به لأن القرب صفته وخنوس نفسه عنه وتسخيرها له مكان القرب الذي يوجد القرب عنده فذلك من السابقين إلى ربه والمبعد مثبط بنفسه عن ربه وقد قال تعالى : * ( فَلا تَدْعُ مَعَ الله إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ من الْمُعَذَّبِينَ ) * [ الشعراء : 213 ] . فالبعد حجاب والمبعد في عذاب والقرب نعيم والمقرب على مزيد . ألم تسمع قوله تعالى في تعذيب المحجوب : * ( كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) * [ المطففين : 15 ] . ثم إنهم لصالوا لجحيم وقال في ترويح المقربين : * ( فَأَمَّا إِنْ كانَ من الْمُقَرَّبِينَ . فَرَوْحٌ ورَيْحانٌ وجَنَّةُ نَعِيمٍ ) * [ الواقعة : 88 - 89 ] . روح بقريب وريحان من حبيب وجنة نعيم بقرب منعم وقال المروح بالقرب المحيا بالحضور : فروحي وريحاني إذا كنت حاضرا * وإن غبت فالدنيا علىّ محابس إذا لم أنافس في هواك ولم أغر * عليك ففي من ليت شعري أنافس وقال المكروب بالبعد المغصص بالفقد : فكيف يصنع من أقصاه مالكه * فليس ينفعه طب الأطباء من غص داوى بشرب الماء غصته * فكيف يصنع من قد غص بالماء وشتان بين عبد منقطع إلى ربه يخدمه وآخر منقطع لخدمة الخلق يعبدهم وكم بين عبد منقطع عن الناس وبين عبد موصول به الوسواس وشتان بين عبد منقطع بالشوق إلى المولى وبين عبد منقطع بالهوى معانق للدنيا فهذه مقامات المقربين بالحسنى وأضدادها
204
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 204