نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 203
من ماله ملكا كان الجواد عوضا له من ماله وكان الجبار عوضا له من نفسه إلا أن الله سبحانه لم يذكر إياه في العوض من النفس وذكر الجنة في البدل عن المال لئلا يدخل تحت حكم وهو الحاكم وكيلا ينضم إلى عوض فيكون شفعا وهو الفرد فأخفى نفسه وهو الدليل وذكر خلقه وهو إليه السبيل فهذا فهم أوليائه عنه . وهذه علامة المحبة الخالصة التي لا شرك فيها لسواه ولا دخل عليها من غيره إياه ولا يصلح أيضا أن يكشف عن وصف هؤلاء المحبين لأن حالهم يجلّ عن الوصف ومقامهم يجاوز علوم العقل والوقت . إلا أن الله تعالى أحكم ذلك بقوله عزّ وجلّ : * ( وفِيها ما تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وتَلَذُّ الأَعْيُنُ ) * [ الزخرف : 71 ] وبقوله : * ( تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ ) * [ الأحزاب : 44 ] مع قوله : * ( ولَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ . نُزُلًا من غَفُورٍ رَحِيمٍ ) * [ فصلت : 31 - 32 ] وقوله : * ( فَأَمَّا إِنْ كانَ من الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ ورَيْحانٌ ) * [ الواقعة : 88 - 89 ] . وأحكم ذلك بقوله تعالى : * ( وهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) * [ الأنعام : 127 ] وبقوله تعالى : * ( هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ الله والله بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ ) * [ آل عمران : 163 ] . ففيه وصف لأهل الولايات والحب ومدح لأهل الدرجات والقرب بقوله : بصير بما يعملون أي لذلك جعلهم درجات عنده . ولقوله : وليهم بما كانوا يعملون بما تولاهم به قربهم منه وفيه أيضا ذم المنافقين على القراءة الأخرى والله بصير بما تعلمون فقد أبصر أعمالكم أنتم فلم يجعلكم مثلهم إذ لم تكن أعمالكم كأعمالهم فهذا كما قال : * ( فَعَلِمَ ما في قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ) * [ الفتح : 18 ] . ثم قال في وصف قلوبنا : * ( والله يَعْلَمُ ما في قُلُوبِكُمْ وكانَ الله عَلِيماً حَلِيماً ) * [ الأحزاب : 51 ] . ثم قال في فصل من القول : ليس بهزل سوّى بين هؤلاء وهؤلاء : * ( إِنْ يَعْلَمِ الله في قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً ) * ثم قال في ضد أولئك كلاما فاصلا لمفصل مفسر للمجمل : * ( ولَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ ولَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وهُمْ مُعْرِضُونَ ) * [ الأنفال : 23 ] . أي ليس لهم فيه شيء ولا لهم منه نصيب لأنه لم يجعل عندهم مكانا لخير فيوجد فيه خيرا فكان هذا فصل الخطاب وبلاغا لأولي الألباب شهد لهم بذلك إذ قال : * ( أَ فَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ الله لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً ) * [ الرعد : 31 ] . فأيس المؤمنون من هداية هؤلاء فلم يرجو منهم مجاهدة فيه أبدا لأن الله تعالى لا يهدي من يضلّ وقيل ييأس لغة بمعنى يعلم أي فقد علموا مما أعلمهم الله تعالى . ويشهد لهذا المعنى الحرف الآخر لأنه بمعناه أ فلم يتبين الذين آمنوا فبين لهم بما بين المبين فسلموا له وأقبلوا عليه وأعرضوا عنهم فسلموا منهم فكذلك قال الولي الحميد .
203
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 203