نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 182
عنه أنه قال : أخوف ما أخاف على أمتي ضعف اليقين ، وذلك أن ضعف اليقين هو أصل الرغبة في الدنيا والحرص على التكاثر منها والتضرع إلى أبنائها والطمع فيهم . كما قال ابن مسعود : إن الرجل ليخرج من بيته ومعه دينه فيرجع إلى بيته وما معه من دينه شيء يلقى هذا فيقول : إنك لذيت وذيت ويلقى هذا فيقول أنت كيت وكيت ولعله لا يخلى منهم بشيء ويرجع إلى بيته وقد أسخط الله عزّ وجلّ . وقد قال بعض التابعين : إن العبد ليقعد في الخلوة على خصال من الخير فيخرج إلى الناس فيحللون ما عقده عقدة عقدة حتى يرجع وقد انحلت العقد كلها ، وقوّة اليقين أصل كل عمل صالح لأن في قوّة يقينه سرعة منقلبه وطول مثواه في دار إقامته إيثار التقلل من الفاني وتقديمه للباقي وضعف حرصه وقلة طلبه وفقد طمعه وفراغه من الاشتغال بعاجله وإقباله وشغله بما ندب إليه من مستقره . وفي جميع ذلك إخلاصه في أعماله وحقيقة زهده في تصرف أحواله وفي قصر أمله وتحسين عمله . ألم تسمع إلى وصف من أخبر الله عزّ وجلّ عنه بالتكاثر الذي ألهاه حتى زار برزخه ومثواه كيف تهدده حتى يعلم يقينا وتوعده إذا رأى آخرته عيانا فقال سبحانه : * ( أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ ) * [ التكاثر : 1 ] أي شغلكم الجمع للمكاثرة حتى حللتم القبور . ثم قال : * ( كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ) * [ التكاثر : 5 ] أي لشغلكم العمل الصالح للآخرة عن اللعب واللهو الذي هو مقتضى الشك إذ هو ضد اليقين فاشتغلتم بالآخرة عن التكاثر من الدنيا كما شغلكم التكاثر باللهو واللعب لعدم علم اليقين . كما قال : * ( أَبْصَرْنا وسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ ) * [ السجدة : 12 ] بعد أن قال : * ( بَلْ هُمْ في شَكٍّ يَلْعَبُونَ ) * [ الدخان : 9 ] ثم توعدهم على ذلك مرتين وتهددهم بالسؤال عن النعيم الذي شغلهم وهو التكاثر في فضول العاجل وقيل : هو الجمع والمنع . فاعلم أن الذي قطع العباد عن التوبة وعرج بالتائبين عن الاستقامة ثلاثة أشياء : الكسب ، والإنفاق ، والجمع . وهذه الأسباب متعلقة بالخلق وموجودة بوجودهم ومفقودة بالانفراد عنهم فمن زهد في هذه الثلاثة فقد زهد في الخلق ومن رغب في الخلق فقد رغب في هذه الثلاث . وقال الثوري : من خالط الناس داراهم ومن داراهم راياهم ومن راياهم وقع فيما وقعوا فهلك كما هلكوا . وقد قال بعض هذه الطائفة من الصالحين : قلت لبعض الأبدال المنقطعين عن الخلق : كيف الطريق إلى التحقيق ؟ وقال مرة قلت له دلني على عمل أعمله أجد فيه قلبي مع الله تعالى في كل وقت مع الدوام فقال : لا تنظر إلى الخلق فإن النظر إليهم ظلمة قلت : لا بدّ لي من ذلك . قال فلا تسمع كلامهم فإن كلامهم قسوة قلت لا بدّ لي من ذلك . قال فلا تعاملهم فإن معاملتهم وحشة . قلت : أنا بين أظهرهم لا بدّ من معاملتهم . قال : فلا تسكن إليهم فإن
182
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 182