نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 178
السلف : إن تسعة أعشار السلامة في الصمت . ويقال : كل كلمة من هزل أو مزح أو لغو يوقف العبد عليها خمس مواقف بتوبيخ وتقرير ، أوّلها أن يقال له لم قلت كلمة كذا أ كانت فيما يعنيك ؟ والثانية هل نفعتك إذ قلتها ؟ والثالثة هل ضرتك لو لم تقلها ؟ والرابعة ألا سكت فربحت السلامة من عاقبتها ؟ والخامسة هلا جعلت مكانها قول سبحان الله والحمد لله فغنمت ثوابها . ويقال ما من كلمة إلا وينشر لها ثلاثة دواوين : الديوان الأوّل لم ، والثاني كيف ، والثالث لمن . فإن نجا من الثلاث وإلا طال وقوفه للحساب . وقال الحسن : لسان المؤمن وراء قلبه إذا أراد أن يتكلم تفكر فإن كان له تكلم وإن كان عليه أمسك ، وقلب المنافق على طرف لسانه أي كل شيء خطر بقلبه تكلم به ولا يتوقف ولا ينثني . وفي الخبر : من آفة العالم أن يكون الكلام أعجب إليه من الصمت . وفي الكلام تنميق وزيادة ، وفي الصمت سلامة وغنم ، وفي موعظة النبي صلَّى الله عليه وسلم طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله . والأخبار في الصمت وفي جميع ما ذكرناه من المعاني تكثر ولم نقصد جمعها وأما الخلوة فإنها تفرغ القلب من الخلق وتجمع الهم بأمر الخالق وتقوّي العزم على الثبات إذ في مخالطة الناس وهن العزم وشتات الهم وضعف النية والخلوة تقل الأفكار في عاجل حظوظ النفس لفقد مشاهدتها بالأبصار لأن العين باب القلب ومنها يدخل آفاته وعندها توجد شهواته ولذاته . وقد قال بعض العلماء : من كثرت لحظاته دامت حسراته والخلوة تجلب أفكار الآخرة وتجدد الاهتمام بها لما شهد به الإيقان وتنسي ادّكار العباد وتواصل ذكر المعبود . والخلوة من أكبر العوافي ، وذلك أنه قد جاء في الحديث : سلوا الله العافية فما أعطي عبد بعد اليقين أفضل من العافية . ثم قد روي في الخبر : العزلة عن الناس عافية . فدخل ذلك في معنى ما ندب إليه من السؤال وفيما فضل بعد اليقين على جميع الأحوال ولا يكون المريد صادقا حتى يجد في الخلوة من اللذة والحلاوة والمزيد ما لا يجده في الجماعة ويجد في السر من النشاط والقوة ما لا يجده في العلانية ويكون أنسه في الوحدة وروحه في الخلوة وأحسن أعماله في السر . ومثل الخلوة في الأحوال من المخالطة للناس مثل الخوف في المقامات من المحبة . الخوف يصلح لجميع العابدين والمحبة مزيد لأهلها المخصوصين كذلك الخلوة والانفراد يصلح لجميع المريدين والأنس بالناس مزيد لأهله خاصة من الأئمة العالمين إلا أن الخلوة تحتاج إلى عقل آخر والوحدة والانفراد يحتاج إلى إيمان ثان . وقد روينا عن سفيان الثوري وعن بشر بن الحرث : إذا استوحشت من الوحدة واستأنست بالخلق لم آمن عليك الرياء . وكان أبو محمد يقول : اجتمع الخير كله في هذه
178
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 178