responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 175


يا موسى لا تأكل العروق فإنها مأوى كل نفس وهذا مصدق للحديث الذي روي أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع والعطش . وقد عبر علماء الكوفة عن الدم بالنفس فقالوا : إذا مات في الماء من الهوام ما ليس له نفس سائلة لم ينجس يعنون الخنافس والصراصر والعناكب ، ففي الجوع نقصان الدم ونقصانه ضيق مسلك العدوّ وضعف مسكن النفس لسقوط مكانها . وفي خبر عن عيسى عليه السلام : يا معشر الحواريين جوّعوا بطونكم وعطشوا أكبادكم وأعروا أجسادكم لعل قلوبكم ترى الله عزّ وجلّ يعني بحقيقة الزهد وصفاء القلب . فالجوع مفتاح الزهد وباب الآخرة وفيه ذلّ النفس واستكانتها وضعفها وانكسارها وفي ذلك حياة القلب وصلاحه وأقل ما في الجوع إيثار الصمت وفي الصمت السلامة وهي غاية للعقلاء . وقال سهل رحمه الله : اجتمع الخير كله في هذه الأربع خصال ، وبها صار الإبدال إبدالا إخماص البطون والصمت والسهر والاعتزال عن الناس . وقال : من لم يصبر على الجوع والضر لم يتحقق بهذا الأمر وكان عبد الواحد بن زيد يحلف باللَّه ما تحول الصديقون صديقين إلا بالجوع والسهر فإنه ينير القلب ويجلوه وفي استنارته معاينة الغيب وفي جلائه صفاء اليقين فتدخل الاستنارة والجلاء على البياض والرقة فيصير القلب كأنه كوكب دريّ في مرآة مجلوة ويشهد الغيب بالغيب فيزهد في الفاني لما عاين من الباقي وتقل رغبته في عاجل حظوظ هواه لما أبصر من وبال العقاب ويرغب في الطاعات لمشاهدة الآخرة ورفيع الدرجات فيصير الآجل عاجلا ويكون العاجل غائبا ويصير الغائب حاضرا والحاضر آفلا يطلبه ويرغب فيه فلا يحب الآفل ولا يبتغيه ويطلب الآجل ويرغب فيه وينكشف له عوار الدار ويظهر له بواطن الأسرار ويزول عنه كامن الاغترار فهناك صار العبد مؤمنا حقا بوصف حارثة الأنصاري إذ يقول :
عزفت نفسي عن الدنيا وكأني أنظر إلى عرش ربي تعالى بارزا وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون وإلى أهل النار يتعادون . وكذلك وصف رسول الله صلَّى الله عليه وسلم قلب المؤمن في قوله :
القلوب أربعة ، قلب أجرد فيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن وانجراد القلب بالزهد في الدنيا وتجرده من الهوى وسراجه الذي يزهر فيه هو نور اليقين به يبصر الغيب . وقال بعض علمائنا : من سهر أربعين ليلة خالصا كوشف بملكوت السماء وكان يقول اجتمع الخير كله في أربع ذكر منها سهر الليل واعلم أن نوم العلماء عن غلبة المنام بعد طول السهر بالقيام مكاشفة لهم وشهود وتقريب لهم منه وورود ومن صفة الإبدال أن يكون أكلهم فاقة ونومهم غلبة وكلامهم ضرورة ومن سهر بالليل لأجل الحبيب لم يخالفه بالنهار فإنه أسهره بالليل في خدمته ودخل الحسن ذات يوم إلى السوق فسمع لغطهم وكثرة كلامهم فقال

175

نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 175
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست