responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 173


فقال : إنك قد أدّيت رسالة ربك وإنك أمضيت أمره وإنك قد نصبت ولقيت عناء من هؤلاء القوم وأنت جائع عطشان تسيل دماؤك على جسدك وثيابك فاغد إلى منزلك فكل واشرب واسترح واغسل جسدك وثيابك فقال إن الله عزّ وجلّ لما أرسلني قد كان عهد إليّ أن لا آكل ولا أشرب ولا أستظل حتى أرجع إلى أهلي فقال له النبي صلَّى الله عليه وسلم : فإني من أهلك لأنني نبي مثلك وأخوك في الدين فلا أرى الله عزّ وجلّ عني بذلك إلا القوم الذين بعثك إليهم لأنهم أعداؤه فنهاك أن تأكل من طعامهم وتستظل عندهم ولا أحسب حرم عليك دخول منزلي ولا الأكل من طعامي لأني شريكك في الأخوّة والنبوّة قال : فصدقه وانصرف معه إلى منزله . فلما وضع الطعام بين يديه وأهوى ليأكل عن جوع شديد قد أضرّ به أوحى الله عزّ وجلّ إلى ذلك النبي الذي دعاه إلى منزله قل له : آثرت شهوتك وبطنك على أمري أ لم أعهد إليك أن لا تنزل ولا تستظل ولا تأكل حتى ترجع إلى قريتك التي خرجت منها ولو لا أنك اجتهدت برأيك وقلت بمبلغ علمك لعمكما العقاب وهو أقل عندي عذرا منك لأني عهدت إليه فآثر هواه شهوته وترك عهدي . فأخبره النبي صلَّى الله عليه وسلم بما أمر فوثب مذعورا يجر إزاره وجعل يرحل أتانه ويعجل ولا يعقل ما هو فيه فركبها طاردا لها على وجهه لجوعه وعطشه ودماؤه على ثيابه وجسده لا ينثني . فلما هبط عن عقبة تحتها غيضة عارضة سبع فافترسه وانتصب السبع مقعيا على قارعة الطريق يزأر يحرس أتانه ورحله كلما أقبل إنسان زأر الأسد عليه حتى يطرده فسمع بخبره ذاك النبي فأقبل نحوه فلما نظر إليه الأسد انصرف عنه وخلى بينه وبينه قال : فكفنه وواراه وانصرف برحله وأتانه إلى أهله . فقال : يا رب عبدك هذا الذي بلغ رسالتك وأمضى أمرك وقد كان أجهده البلاء فخالف ما أردت فلم يعلم فعاقبته بهذه العقوبة فأوحى الله عزّ وجلّ إليه ليست هذه عقوبة ولم أفعل ذلك لهوانه عليّ ولكن هذه مغفرة ورحمة . إنه خالف أمري وكان قد اقترب أجله فكرهت له أن يلقاني على المخالفة فألقاه بما يكره فقيضت له كلبا من كلابي فطهره للقائي فكان ذلك له عندي شهادة ودرجة فوق نبوته فقال سبحانك وبحمدك أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين فالعالم عند العلماء من علم خير الخيرين . فسبق إليه قبل فوته وعلم شر الخيرين فأعرض عنه لئلا يشغله عن الأخير منهما وعلم أيضا خير الشرين ففعله إذا اضطر إليه وابتلى به وعلم شر الشرين فأمعن في الهرب منه واحتجب بحجابين عنه وفي هذه المعاني دقائق العلوم وغرائب الفهوم وأدلة للسائلين وعبرة وآيات للعالمين فأما شر الشرين ومعرفة الخير من الشر فهو معروف بأدلة العقول وظاهر العلوم .

173

نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 173
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست