responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 167


جزءا على حكمة من الله عزّ وجلّ وتمهّل واستدراج منه وقتا بعد وقت ويوما بعد يوم يستدرجه في ذلك كما يصعد الدراج في الدرج مرقاة مرقاة ، كذلك يشغله في وقت عنه ويفرغه وقتا آخر لغيره ويذكره في وقت سواه وينسيه وقتا آخر إياه فشغله حينئذ كفراغه وذكره يومئذ كنسيانه وعلى هذا سائر أوقاته تارة يقطعه عنه وتارة يصله بغيره حتى تفنى الأيام بالفوت وتنقضي الأوقات إلى الموت وفي ذلك يسبل عليه الستر ليغتر ويسبغ عليه النعم كيلا يعلم ويديم له العوافي لئلا يفطن ويبسط له الأمل ليزداد من سوء العمل ويقبض عنه الأجل ليقبض منه الوجل وينشر له الرجاء ويطوي عنه الخوف حتى يبغتهم فجأة من حيث أمنهم ويأخذهم بغتة في حال غمرتهم كما قال : * ( ومَكَرُوا مَكْراً ومَكَرْنا مَكْراً وهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) * [ النمل : 50 ] ومن معنى ما ذكرناه قوله تعالى : * ( فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا به فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ ) * [ الأنعام : 44 ] أي لما تركوا ما وعظوا به وخوفوا أسبغنا عليهم النعم وأنسيناهم الشكر فترادفت منهم الذنوب وأنسيناهم الاستغفار . ثم قال : * ( حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا ) * [ الأنعام : 44 ] أي سكنوا إلى ذلك واطمأنوا ولم يريدوا التحويل عنه ولا الاستعتاب منه : * ( أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً ) * [ الكهف : 28 ] أي فجأة في حين أمنهم وقيل بغتة بعد أربعين سنة فإذا هم مبلسون متحيرون باهتون آيسون من كل خير .
واعلم أن العبد إذا كان بعد ساعة شرّا منه قبلها وبعد يوم شرّا منه قبله ثم لم يستعتب ولم يتدارك كانت أوقاته كلها وأيامه كيوم واحد في الشر ووقت سرمد في السوء فكان كمن فات عمره كله كفوت وقت واحد منه لأنه على هذا الوصف يكون فوت العمر لتراخيه وقتا بعد وقت وينساه شيئا بعد شيء ولتربية العبد بأوقاته وقتا بعد وقت إلا أنها في آخر الحساب ومجمله كيوم واحد أضاعه فكان مثله كما قال تعالى : * ( ولا تُطِعْ من أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا واتَّبَعَ هَواهُ وكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ) * [ الكهف : 28 ] وكمن كان حاله الغفلة عن الوعد والوعيد فلما كشف عنه الغطاء حار بصره وبهت واحتد وبرق لمعاينة ما كان عنه غفل وحسرة على ما فيه فرط لقوله تعالى : * ( لَقَدْ كُنْتَ في غَفْلَةٍ من هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) * [ ق : 22 ] . قيل محدد إلى أعمالك السيئة أو ثقتك وقيل حديد إلى لسان الميزان يتوقع النقص والرجحان وكان كمن قال تعالى في قوله : * ( وأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وهُمْ في غَفْلَةٍ ) * [ مريم : 39 ] قيل جاءهم الموت وهم مشغولون بأمور الدنيا وقيل : كانوا متشاغلين في شأن النساء وبوصف من قيل له وغرتكم الأماني يعني أماني الهوى حتى جاء أمر الله أي قدم الموت ولم تقدموا له شيئا يقدموا به عليه فمثلهم كمن وصفه بالإفلاس وأخبر عنه بالإياس في قوله عزّ وجلّ : * ( حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً

167

نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 167
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست