من أول أفق الإنسان إلى آخره ، ولكونه ذا عرض عريض متصلا أوله بأفق البهائم وآخره بأفق الملائكة ، لا يكاد أن يوجد التفاوت الذي بين أشخاص هذا النوع في أفراد سائر الأنواع ، فإن فيه أخس الموجودات ومنه أشرف الكائنات كما قيل : ولم أر أمثال الرجال تفاوتت * لدى المجد حتى عد ألف بواحد وبالفارسية : أي نقد أصل وفرع ندانم چه گوهرى * كز آسمان بلندتر واز خاك كمترى وإلى ذلك التفاوت يشير قول الرسل صلى الله عليه وآله وسلم : " إني وزنت بأمتي فرجحت بهم " ولا ريب في أن هذا التفاوت لأجل الاختلاف في الأخلاق والصفات ، لاشتراك الكل في الجسمية ولواحقها . وهذا العلم هو الباعث للوصول إلى أعلى مراتبهما ، وبه تتم الإنسانية ، ويعرج من حضيض البهيمية إلى ذرى الرتب الملكية ، وأي صناعة أشرف مما يوصل أخس الموجودات إلى أشرفها ، ولذلك كان السلف من الحكماء لا يطلقون العلم حقيقة إلا عليه ، ويسمونه بالأكسير الأعظم ، وكان أول تعاليمهم ، ويبالغون في تدوينه وتعليمه ، والبحث عن إجماله وتفصيله ، ويعتقدون أن المتعلم ما لم يهذب أخلاقه لا تنفعه سائر العلوم . وكما أن البدن الذي ليس بالنقي كلما غذوته فقد زدته شرا ، فكذلك النفس التي ليست نقية عن ذمائم الأخلاق لا يزيده تعلم العلوم إلا فسادا . ولذا ترى أكثر المتشبهين بزي العلماء أسوأ حالا من العوام مائلين عن وظائف الإيمان والإسلام ، إما لشدة حرصهم على جمع المال ، غافلين عن حقيقة المآل ، أو لغلبة حبهم الجاه والمنصب ، ظنا منهم أنه ترويج للدين والمذهب ، أو لوقوعهم في الضلالة والحيرة لكثرة الشك والشبهة ، أو لشوقهم إلى المراء والجدال في أندية الرجال ، إظهارا لتفوقهم على الأقران والأمثال ، أو لإطلاق ألسنتهم على الآباء المعنوية من أكابر وأعاظم الحكماء ، ولعدم تعبدهم برسوم الشرع والملة ، ظنا منهم أنه مقتضى قواعد الحكمة ، ولم يعلموا أن الحكمة الحقيقية ما أعطته النواميس الإلهية والشرائع النبوية ، فكأنهم لم يعلموا أن العلم بدون العمل ضلال ، ولم يتفطنوا قول نبيهم صلى الله عليه