الأزلية ، فيصرف همه في إزالة النقائص ، واكتساب الفضائل ، فلا يزال يتصاعد من مرتبة من الكمال إلى فوقها ، حتى يصير من أهل مشاهدة الجلال والجمال ، ويتشرف بجوار الرب ، المتعال ويصل إلى السرور الحقيقي . الذي لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، وإلى قرة الأعين التي يشير إليها في قوله سبحانه : ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ) [24] . فصل تأثير التربية على الأخلاق الخلق عبارة عن " ملكة للنفس مقتضية لصدور الأفعال بسهولة من دون احتياج إلى فكر وروية " والملكة : كيفية نفسانية بطيئة الزوال . وبالقيد الأخير خرج الحال لأنها كيفية نفسانية سريعة الزوال ، وسبب وجود الخلق إما المزاج كما مر ، أو العادة بأن يفعل فعلا بالرؤية ، أو التكلف ويصبر عليه إلى أن يصير ملكة له [25] ويصدر عنه بسهولة وإن كان مخالفا لمقتضى المزاج . واختلف الأوائل في إمكان إزالة الأخلاق وعدمه ، وثالث الأقوال أن بعضها طبيعي يمتنع زواله وبعضها غير طبيعي حاصل من أسباب خارجة يمكن زواله . ورجح المتأخرون الأول وقالوا : ليس شئ من الأخلاق طبيعيا ولا مخالفا للطبيعة ، بل النفس بالنظر إلى ذاتها قابلة للاتصاف بكل من طرفي التضاد ، إما بسهولة إن كان موافقا للمزاج ، أو بعسر إن كان مخالفا له فاختلاف الناس في الأخلاق لاختلافهم في الاختيار والمزاولة لأسباب خارجة . ( حجة القول الأول ) أن كل خلق قابل للتغيير وكل قابل للتغيير ليس طبيعيا فينتج لا شئ من الخلق بطبيعي والكبرى بديهية ، والصغرى وجدانية . فإنا نجد أن الشرير يصير بمصاحبته الخير خيرا ، والخير بمجالسته الشرير
[24] السجدة الآية 17 . [25] ما بين القوس في الموضع غير موجود في نسختنا الخطية لكنه موجود في نسخة خطية أخرى وفي المطبوعة .