وأفكارك [16] وسيظهر لك من كل حركة فكرية أو قولية أو عملية صورة روحانية ، فإن كانت الحركة غضبية أو شهوية صارت مادة لشيطان يؤذيك في حياتك ويحجبك عن ملاقاة النور بعد وفاتك ، وإن كانت الحركة عقلية صارت ملكا تلتذ بمنادمته في دنياك وتهتدي به في أخراك إلى جوار الله وكرامته " انتهى . وهذه الكلمات صريحة في أن مواد الإشخاص الأخروية هي التصورات الباطنية والنيات القلبية والملكات النفسية المتصورة بصور روحانية وجودها وجود إدراكي ، والانسان إذا انقطع تعلقه عن هذه الدار وحان وقت مسافرته إلى دار القرار وخلص عن شواغل الدنيا الدنية وكشف عن بصره غشاوة الطبيعة ، فوقع بصره على وجه ذاته والتفت إلى صفحة باطنه وصحيفة نفسه ولوح قلبه وهو المراد بقوله سبحانه : ( وإذا الصحف نشرت ) [17] وقوله تعالى : ( فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ) [18] . صار إدراكه فعلا وعلمه عينا وسره عيانا ، فيشاهد ثمرات أفكاره وأعماله ، ويرى نتائج أنظاره وأفعاله ويطلع على جزاء حسناته وسيئاته ، ويحضر عنده جميع حركاته وسكناته . ويدرك حقيقة قوله سبحانه : وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا * اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) [19] . فمن كان في غفلة عن أحوال نفسه ومضيعا لساعات يومه وأمسه يقول : ( ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا ) [20] ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ) [21] . وقد أيد هذا المذهب أعني صيرورة الملكات صورا روحانية باقية أبد الدهر موجبة للجبهة والالتذاذ والتوحش والتألم ، بأنه لو لم تكن تلك الملكات
[16] هكذا وجدنا العبارة في النسخة الخطية والمطبوعة ولا يخفى ما فيها من الإجمال . [17] التكوير الآية 10 . [18] في الآية 22 . [19] الإسراء الآية 13 - 14 . [20] الكهف الآية 49 . [21] آل عمران الآية 30 .