لما كانت هذه العبارات متفاوتة في الفحش بعضها أفحش من بعض ، وربما اختلف بعادة البلاد ، فيكون بعضها مكروها وبعضها محظورا ، فإن من قال لغيره مزاحا أو اعتيادا حاصلا من مخالطة الفساق : ( فرج امرأتك ضيق أم لا ؟ ) لا ريب في كونه فحشا محرما مذموما ، مع أنه لم يستعمل في الشتم . وبالجملة : أوائل هذه العبارات مكروهة وأواخرها محظورة ، وبينهما درجات تتردد بين الكراهة والحرمة . وأما ( اللعن ) - فلا ريب في كونه مذموما ، لأنه عبارة عن الطرد والإبعاد من الله تعالى ، وهذا غير جائز إلا على من اتصف بصفة تبعده بنص الشريعة وقد ورد عليه الذم الشديد في الأخبار ، قال رسول الله ( ص ) : " المؤمن ليس بلعان " . وعن الباقر عليه السلام قال : " خطب رسول الله ( ص ) ، فقال : ألا أخبركم بشراركم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ! قال : الذي يمنع رفده ويضرب عبده ، ويتردد وحده . فظنوا أن الله لم يخلق خلقا هو شر من ذلك ثم قال : ألا أخبركم بمن هو شر من ذلك ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : المفتحش اللعان الذي إذا ذكر عنده المؤمنون لعنهم ، وإذا ذكروه لعنوه " . وقال الباقر عليه السلام : " إن اللعنة إذا خرجت من فم صاحبها ترددت بينهما فإن وجدت مساغا وإلا رجعت إلى صاحبها " . ثم لما كان اللعن هو الحكم بالبعد أو طلب الإبعاد من الله . ( والأول ) غيب لا يطلع عليه إلا الله . ( والثاني ) لا يجوز إلا على من اتصف بصفة تبعده منه ، فينبغي ألا يلعن أحدا إلا من جوز صاحب الشرع لعنه ، والمجوز من الشرع إنما هو اللعن على الكافرين والظالمين والفاسقين ، كما ورد في القرآن ولا ريب في جواز ذلك بالوصف الأعم ، كقولك : لعنة الله على الكافرين . أو بوصف يخص بعض الأصناف ، كقولك : لعنة الله على اليهود والنصارى . والحق جواز اللعن على شخص معين علم اتصافه بصفة الكفر أو الظلم أو الفسق . ( وما قيل ) من عدم جواز ذلك إلا على من يثبت لعنه من الشرع كفرعون وأبي جهل ، لأن كل شخص معين كان على إحدى الصفات الثلاثة ربما رجع عنها ، فيموت مسلما أو تائبا ، فيكون مقربا عند الله لا مبعدا عنه ( كلام ينبغي ) أن يطوى ولا يروى ، إذ المستفاد من كلام الله تعالى وكلام