وأضدادها تصدر من نقصان النفس وخورها . فدفع الغضب عن نفسه لا يخرجه من كبر النفس في الواقع ، ولو فرض خروجه به منه في أعين جهلة الناس فلا يبالي بذلك ، ويتذكر أن الاتصاف بالذلة والصغر عند بعض أرذال البشر أولى من خزي يوم المحشر والافتضاح عند الله الملك الأكبر . وإن كان السبب خوف أن يفوت منه شئ مما يحبه ، فليعلم أن ما يحبه ويغضب لفقده إما ضروري لكل أحد ، كالقوت والمسكن واللباس وصحة البدن ، وهو الذي أشار إليه سيد الرسل - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله : " من أصبح آمنا في سربه ، معافى في بدنه ، وله قوت يومه ، فكأنما خيرت له الدنيا بحذافيرها " . أو غير ضروري لأحد ، كالجاه والمنصب وفضول الأموال . أو ضروري لبعض الناس دون بعض ، كالكتاب للعالم ، وأدوات الصناعات لأربابها . ولا ريب أن كل ما ليس من هذه الأقسام ضروريا فلا يليق أن يكون محبوبا عند أهل البصيرة وذوي المروات ، إذ ما لا يحتاج إليه الإنسان في العاجل لا بد له من تركه في الآجل ، فما بال العاقل أن يحبه ويغضب لفقده ، وإذا علم ذلك لم يغضب على فقد هذا القسم البتة . وأما ما هو ضروري للكل أو البعض ، وإن كان الغضب والحزن من فقده مقتضى الطبع لشدة الاحتياج إليه . إلا أن العاقل إذا تأمل يجد أن ما فقد عنه من الأشياء الضرورية إن أمكن رده والوصول إليه يمكن ذلك بدون الغيظ والغضب أيضا ، وإن لم يمكن لم يمكن معهما أيضا . وعلى أي حال بعد التأمل يعلم أن الغضب لا ثمرة له سوى تألم العاجل وعقوبة الآجل ، وحينئذ لا يغضب ، وإن غضب يدفعه عن نفسه بسهولة . ( الثاني عشر ) أن يعلم إن الله يحب منه ألا يغضب ، والحبيب يختار البتة ما يحب محبوبه ، فإن كان محبا لله فليطفئ شدة حبه له غضبه . ( الثالث عشر ) أن يتفكر في قبح صورته وحركاته عند غضبه ، بأن يتذكر صورة غيره وحركاته عند الغضب . تتميم إعلم أن بعض المعالجات المذكورة يقتضي قطع أسباب الغضب وحسم مواده ، حتى لا يهيج ولا يصدر ، وبعضها يكسر سورته أو يدفعه إذا صدر