أن يكون متعظا . وعلى هذا الأساس ينبغي أن توضع كتب الأخلاق في رفوفها ، فليس للنظريات الفلسفية ورصانة التأليف وتركيزه على المبادئ العلمية - في نظر أرباب القلوب - تلك الأهمية الأخلاقية التي تعلق عليها ، ولا تقاس بالأثر الأخلاقي الذي يحصل من روحية المؤلف ومقدار تأثره هو بأقواله ، وما كانت شهرة ( مجموعة ورام ) ، وما كانت أهميتها إلا لأنها ناشئة من قلب صادق ، ذلك قلب الأمير الزاهد الآلهي ( الشيخ ورام ابن أبي فراس المالكي الأشتري ) ، وليس فيها صفة علمية أو فنية تقضي بهذا الاهتمام . ومن العجيب أن قلب الرجل الأخلاقي يبرز ظاهرا على قلمه في مؤلفاته ، فتلمسه في ثنايا كلماته . وبالعكس ذلك الذي لا قلب له ، فإنك لا تقرأ منه إلا كلاما جافا لا روح فيه ، مهما بلغت قيمته في حساب النظريات الفلسفية . وفي نظري أن قيمة ( جامع السعادات ) في الروح المؤمنة التي تقرأها في ثناياه أكثر بكثير من قيمته العلمية . وإني لأتحدى قارئ هذا الكتاب إذا كان مستعدا للخير أن يخرج منه غير متأثر بدعوته ، وهذا هو السر في أقبال الناس عليه وفي شهرته ، على أنه لا يزيد من ناحية علمية على بعض الكتب المتداولة التي لا نجد فيها هذا الذوق والروحانية . والكتاب نفسه يكشف لنا عن نفسية المؤلف ، وما كان عليه من خلق عال وإيمان صادق . وإني لأؤمن إيمانا لا يقبل الشك : أن انتشار هذا الكتاب بين الناس في هذا العصر سيكون له أثره المحسوس في توجيه أمتنا نحو الخير ، بعد أن نفدت طبعته الأولى وعزت نسخته ، ولا سيما أن خطباء المنابر - فيما أعتقد - ستكون لهم الحصة الوافرة في التأثر به ونقل تأثرهم إلى سواد الأمة الذين هم المعول عليهم في نهضتنا الأخلاقية المقبلة . وهذا ما دفعني - والله هو الشاهد علي - إلى السهر على تصحيح الكتاب وتدقيقه ، ليخرج بهذه الحلة ، وإن كانت ظروفي الخاصة كادت أن تحول دون التفرغ له ، لولا أني توكلت على الله تعالى ووطنت على تجاهلها وإهمال كثير مما يجب العناية به ، والحمد لله على توفيقه .