بمحدب الكبد منه الرسوب السوداوي ويحيله حتى يكتسب قبضا وحموضة ثم يرسل منه في كل يوم شيئا إلى فم المعدة لتتنبه بالجوع ، فيحرك الشهوة بحموضته وقبضه ، ثم يخرج بخروج الثفل أيضا . وأما ( الدم ) فيتوجه إلى الأعضاء ويتوزع عليها في شعب العرق الأجوف العظيم الثابت من محدب الكبد ، فيسلك في الأوردة المتشعبة منه في جداول ، ثم في سواقي الجداول ، ثم في رواضع السواقي ، ثم في العروق الشعرية الليفية ، ثم يترشح من فوهاتها في الأعضاء بتقدير خالق الأرض والسماء . ومما ذكر ظهر أنه لو حدث بواحد من المرارة والطحال والكليتين آفة ، فسد الدم وحصلت أمراض الخلط الذي يجذبه من الكبد ، فلو عرضت آفة بالمرارة حدثت الأمراض الصفراوية ، ولو حلت آفة بالطحال حصلت أمراض سوداوية ، ولو لم تندفع المائية إلى الكلى بعروض آفة لها حصل مرض الاستسقاء . وأما ( البلغم ) فما يتكون في الكبد أو يصير إليه مع عصارة الطعام انهضم فيه وصار دما ، وما بقي منه في الأمعاء ولم ينحدر إلى الكبد انغسل بمرة الصفراء التي شأنها تنقية الأمعاء من الفضول بحرافتها وحدتها وسيلانها ، ومن البلغم ما يبقى في البدن لاحتياجه إليه في حركة المفاصل وترطيب الأمعاء ومنه ما يخرج من الفم بالقئ والبصاق أو ينحدر من الرأس إلى الفم ويخرج منه بالتنخع . ثم انظر - يا أخي - في ( القلب ) وعجائبه ، حيث خلقه جسما صنوبريا وجعله منبعا لروح الحياة ، ولذا خلقه صلبا ليكون محفوظا من الوارادت ، وجعل هذا الروح جرما حارا لطيفا نورانيا شفافا ، وجعله مطية للنفس وقواها ، وأناط به حياة الإنسان وبقاءه ، فيبقى ببقائه ويفنى بفنائه ، فكل عضو يفيض عليه من سلطان نوره يكون حيا ، وإلا كان ميتا ، ولذا لو حصل بعضو سدة مانعة من نفوذه فيه بطل حسه وحركته . ويتوزع هذا الروح من القلب الذي هو منبعه إلى سائر الأعضاء العالية والسافلة ، بوساطة سفراء الشرايين والأوردة . فما يصعد منه إلى الدماغ بأيدي خوادم الشرايين ويعتدل بكسب البرودة من جوهر الدماغ ، ثم يفيض على الأعضاء المدركة