النطفة أو الرحم ولا خارجهما نقاش يصل إليه أثر نقشه ، فكأن الجنين بلسان حاله ينادي قلوب العارفين بنغمات تهيجها وترقصها : تصوروني في ظلمة الأحشاء مغموسا بدم الحيض ، كيف يظهر التخطيط والتصوير على وجهي فينقش النقاش أجفاني وحدقتي ، ويصور المصور خدي وشفتي ، ولا يزال يظهر علي نقش بعد نقش وصورة بعد صورة ، ولا أرى نقاشا ولا مصورا ، أولا تتعجبون من هذا النقاش الذي لا يحتاج إلى تماس ومزاولة ولا يفتقر إلى آلة ومباشرة ، أولا تنتقلون من عجيب صنعه إلى عظيم قدرته وجسيم عظمته ، أوليس لكم أعين بها تبصرون أو قلوب بها تفقهون ، فكيف تنظرون إلى تكون أعضائي وعجائبها ولا تعتبرون ؟ ! فانظر الآن - يا حبيبي - في نبذ من العجائب والحكم المودعة في بعض من هذه الأعضاء ، فتأمل في ( العظام ) التي هي أجسام قوية صلبة كيف خلقها من نطفة سخيفة رقيقة ، وأحكمها وصلبها في الرحم بين المياه ، مع أن صلابة المائع في الماء محال عادة ، وجعلها قواما ودعامة للبدن ، ولذا صلبها وأحكمها لئلا تنكسر عند الحركات العنيفة ، وقدرها مقادير مختلفة وشكلها على أشكال متفاوتة ، ففيها صغير وكبير وطويل وقصير ومستقيم ومستدير ودقيق وعريض ومجوف ومصمت ، على ما اقتضته الحكم والمصلحة ، ولما كان الإنسان محتاجا إلى الحركة ، تارة بجملة بدنه ، وتارة ببعض أعضائه ، لم يخلقه من عظم واحدا ، بل جعل له عظاما كثيرة بينها مفاصل ، حتى تتيسر له الحركة بجملة بدنه وببعض أعضائه ، وقدر شكل كل واحد منها على وفق الحركة المطلوبة بها ، وما لم تكن فيه فائدة سوى كونه عمادا للبدن خلقه مصمتا ، وإن جعل فيه المسام والخلل التي لا بد منها ، وما يحتاج إليه للحركة أيضا ، زاد في تجويفه ليكون أخف ، وجعل تجويفه في الوسط واحدا لئلا يحتاج في وصول الغذاء إليه إلى التجاويف والخلل المتفرقة ، فيصير رخوا ، بل صلبه مع تجويفه ، لئلا ينكسر عند الحركات العنيفة ، وما كانت الحاجة فيه إلى الوثاقة أشد جعل تجويفه أقل ، وما كان الاحتياج فيه إلى الخفة أكثر جعل تجويفه أزيد ، وجمع غذاءه وهو المخ في حشوه ليغذوه ويرطبه دائما ، لئلا يتفتت بتجفيف الحركة . ثم وصل مفاصلها وربط بعضها بالبعض بأوتار أنبتها من أحد العظمين