جاوزتني انتهيت إلى منازله . وأول منازله القلم الذي يكتب به العلم على لوح القلب . وفي هذا العالم المهامه الفسيحة والجبال الشاهقة والبحار المغرقة " . فقال له السائل السالك : " قد تحيرت في أمري ولست أدري أني أقدر على قطع هذا الطريق المخوف أم لا ، فهل لذلك علامة أعرف بها تمكني على قطع هذا الطريق ؟ " . فقال : " نعم ! افتح بصرك ، واجمع ضوء عينك وحدقه نحوي ، قال ظهر لك القلم الذي به يكتب في لوح القلب ، فيشبه أن تكون أهلا لهذا الطريق ، فإن كل من جاوز الملكوت الأسفل وقرع أول باب من الملكوت الأعلى كوشف بالقلم . أما ترى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كوشف به وأنزل عليه قوله تعالى - : " اقرأ بأسم ربك الذي خلق . . . إلى قوله : اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم " [33] . وهذا القلم قلم إلهي ليس بقصب ولا خشب . أوما سمعت أن متاع البيت يشبه رب البيت ؟ وقد علمت أن الله تعالى لا تشبه ذاته سائر الذوات ، فليس في ذاته بجسم ولا هو في مكان ، فكذلك لا تشبه يده سائر الأيدي ، ولا قلمه سائر الأقلام ، ولا كلامه سائر الكلام ، ولا خطه سائر الخطوط بل هذه أمور إلهية من عالم الملكوت الأعلى ، فليست يده من لحم وعظم ودم ، ولا قلمه من قصب ، ولا لوحه من خشب ، ولا كلامه من صوت وحرف ، ولا خطه من نقش ورسم ورقم ، ولا حبره من زاج وعفص . فإن كنت لا تشاهد هذا هكذا فأنت من أهل التشبيه والتجسم وما عرفت ربك ، إذ لو نزهت ذاته تعالى وصفاته عن ذات الأجسام وصفاتها ونزهت كلامه عن الحروف والأصوات ، فما بالك تتوقف في يده وقلمه ولوحه وخطه ، ولا تنزهها عن الجسمية والتشبيه بغيرها ؟ " . فلما سمع السائل السالك من العلم ذلك ، استشعر قصور نفسه وفتح بصر بصيرته ، بعد الابتهال إلى ربه ، فانكشف له القلم الإلهي ، فإذا هو