أخرجني من مستقري ظلما " . فسأل القلم ، فأحاله إلى اليد والأصابع ، وهي إلى القدرة والقوة ، وهي إلى الإرادة ، معترفا كل واحد منهم بعجز نفسه ، وبكونه مقهورا مسخرا تحت قهر المحال عليه من دون استطاعة لمخالفته . ولما سأل الإرادة ، قالت : " ما انتهضت بنفسي ، بل بعثت على أشخاص القدرة وإنهاضها ، وبحكم رسول قاهر ورد علي من حضرة القلب بلسان العقل ، وهذا الرسول هو العلم ، فالسؤال عن انتهاضي يتوجه على العقل والقلب والعلم " . ولما سألها قال ( العقل ) : " أما أنا فسراج ما اشتعلت بنفسي ولكني أشعلت " . وقال ( القلب ) : " أما أنا فلوح ما انبسطت بنفسي ولكني بسطت " . وقال ( العلم ) : " أما أنا فنقش نقشت في لوح القلب لما أشرق سراج العقل ، وما انتقشت بنفسي بل نقشني غيري ، فسل القلم الذي نقشني ورسمني على لوح القلب بعد اشتعال سراج العقل " . وعند هذا تحير السائل وقال : " ما هذا القلم وهذا اللوح وهذا الخط وهذا السراج ؟ فإني لا أعلم قلما إلا من القصب ، ولا لوحا إلا من الحديد أو الخشب ، ولا خطا إلا بالحبر ، ولا سراجا إلا من النار . وإني لأسمع في هذا المنزل حديث اللوح والقلم والخط والسراج ، ولا أشاهد من ذلك شيئا " . فقال له ( العلم ) : " فإذن بضاعتك مزجاة ، وزادك قليل ، ومركبك ضعيف ، والمهالك في الطريق الذي توجهت إليه كثيرة ، فإن كنت راغبا في استتمام الطريق إلى المقصد ، فاعلم أن العوالم في طريقك ثلاثة : ( أولها ) عالم الملك والشهادة ، وقد كان الكاغد والحبر والقلم واليد والأصابع من هذا العلم ، وقد جاوزت تلك المنازل على سهولة ، ( وثانيها ) عالم الملكوت الأسفل ، وهو يشبه السفينة التي بين الأرض والماء ، فلا هي حد اضطراب الماء ، ولا هي في حد الأرض وثباتها ، والقدرة والإرادة والعلم من منازل هذا العالم . ( وثالثها عالم الملكوت الأعلى ، وهو من ورائي ، فإذا