وكنا تواعدنا مع أقاربنا آل الفقيه في بيت جدهم الشيخ يوسف ( رحمه الله ) ، في برج أبي حيدر ببيروت ، وكان رئيس محكمة التمييز الشرعية . وجدنا الشيخ علي الفقيه ( رحمه الله ) جاء مع أولاده من الجنوب ليودعهم ، فجلسنا قليلاً ونهضنا ، فقبلت يد الشيخ الفقيه ويد الوالد ( رحمه الله ) مودعاً ، ووضعنا أسبابنا في السيارة التي ستوصلنا إلى الشام وركبنا ، فرأيت الوالد رغم متانته ووقاره ، وقف على شباك السيارة ينظر إليَّ بعطف ومحبة ، ثم مشى قليلاً وأدار وجهه لحظات ، ثم عاد وأثر دمعتين في عينيه ، فانحنى على شباك السيارة ، وقال : إذهب يا بني وهبتك لله ! إذا وصلت إلى النجف فأمسك بضريح أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقل له : يا أمير المؤمنين ، إن والدي وهبني لكم ، فاقبلني واجعلني في حماك ! هزني مشهده وكلامه وبكيت ، وتحركت السيارة ورنين صوته الهادئ الواثق ( رحمه الله ) يتردد في أعماقي : إذهب يا بني ، وهبتك لله . . . كنت أعيش في طريقي إلى الشام مزيجاً من الفرحة والرهبة ، وفي زيارة السيدة زينب ( عليها السلام ) ، ثم في سيارة ( نيرن ) الأجنبية الضخمة ، التي تنقل المسافرين بين دمشق وبغداد . عَبرنا دمشق عصراً إلى أبي الشامات ثم دخلنا في الصحراء نحو العراق . وقد أنست عندما نام رفيقي الشيخ عبد الإله وتركني في عالمي وتفكيري ، فأنا بحاجة إلى الوحدة ، لأهضم ما تراكم عليَّ من أحداث !