أما البياض ففيها وادٍ واحد عميق من جهتها الجنوبية الشرقية ، هو وادي عاشور ، وبقية أوديتها عادية ، وجبالها أقرب إلى الربوات . وفي الربيع اكتشفت مكاناً صالحاً للسكن قرب قرية البياض ، كَرْماً في زاويته من جهة الطريق غرفة ، تُخيِّم على سطحها شجرة لَوْزٍ وارفة . حاولت أن أقنع زميلي بالسكن هناك ، وقلت له : نسكن في الشتاء في الغرفة ، ونصنع في الصيف خيمة على سطحها . فقال إني أخاف في الليل ، فقلت له نَمْ أنت في الغرفة وأنا على سطحها ، وطمأنته بأن عندي كلب حراسة ، هو كلب ماشية محمد الشيخ محمود ، فلم يقبل . وقصة هذا الكلب أنه كان أبيض ضخماً مميزاً ، فكنت أطعمه باستمرار ، وربما أخذت له بعض زوائد اللحم من القصاب الوحيد في القرية ، وهو صاحب دكان البلدة ، وصاحب قطيع الماعز ، ومالك الكلب . كان محمد محمود ( رحمه الله ) شخصية مميزة في هدوئه وأخلاقه ومحبته ، وكان أهل القرية يتحدثون عن قصص قوته البدنية ، وكان يعرف أن كلبه اتخذني صديقاً ، ويتعجب من سرعة مجيئه إليَّ إذا سمع صوتي ، ولو من بعيد ! قررت أن أسكن وحدي ، واستجزت أصحاب الكَرْم فأجازوا ، وكان أهل القرية يحبونني ويثقون بي ، فنقلت أسبابي ، وعلَّمت الكلب أن ينام عند الغرفة ، فكان إذا رجع مع القطيع عند الغروب يأتي لأعشيه وينام ،