فإذا سمعتُ أجراس فحول القطيع بعد شروق الشمس ، قدمتُ إليه الطعام ، وأشرت إليه بأن يذهب إلى قطيعه ، فيذهب ويعود مساء ! كان أستاذنا ( رحمه الله ) يعرف مجريات حياتنا ، ولا يعترض على سكني في طرف البلدة ، ولا على ذهابي إلى البرية أياماً في الأسبوع ، بل يبدي إعجابه وثقته بي ، ويمدح شجاعتي ، ويشجع زميلي أن يكون مثلي ، وكان مطمئناً إلى أني أعطي الأولوية لدروسي ، ولا أغيب عندما يجب الحضور في بيته . 9 - التطبيق الطفولي للفقه الذي نتعلمه تعلمت أحكام الوضوء ، وكنت ألاحظ الخلل في وضوء البعض فأتعجب لكن لا أجرؤ على تنبيهه إلى ذلك ، لأني سمعت من أستاذي قصة الحسن والحسين ‘ كيف علما شخصاً الوضوء بأن طلبا منه أن يكون حكماً بينهما أيهما وضوؤه أصح ؟ فلما توضئا أمامه انتبه إلى قصدهما وقال : جعلت فداكما وضوؤكما صحيح ووضوئي فيه خلل ، وقد أردتما أن تنبهاني فشكراً . لكن غلبني الفضول يوم رجعت من البرية ومررت على مقبرة القرية ، فوجدت شيخاً في نحو السبعين يجلس على باب خيمة منصوبة على قبر ، وكان ابنه داخل الخيمة يقرأ القرآن . كانا من قرية عيثيث مستأجرَيْن لقراءة القرآن على روح الميت ثلاثة أيام متواصلة ، فهما يتناوبان القراءة ليلاً ونهاراً ، يستريح أحدهما ويقرأ الآخر ، فجلست إلى الشيخ وكان يأنس بي ويقول لي : سمِّعْنِي ماذا تعلمت من الشيخ ، فرأيت أن شواربه طويلة