هذا ما أفادته الآية الأولى ثم يقول تعالى : ( لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ( والأسى هو الحزن وضده الفرح ، وقوله : ( لِكَيْلا تَأْسَوْا ( اللام لام التعليل ، وقد جاء معللاً لمفاد الآية السابقة التي قررت ان كل ما يصيب الإنسان في الأرض وفي الأنفس مذكور وثابت في كتاب من قبل خلق النفس . وقد اخبر جل وعلا عن هذه الحقيقة تسلية لنا من هموم الدنيا وغمومها إذ ان الإنسان إذا عَلِمَ عِلم اليقين ان المصائب التي يصاب بها في الحياة الدنيا من خير أو شر كلها مستندة إلى قضاء مقضي وقدر مقدر من حكيم عليم فتهون عليه حينئذٍ تلك المصائب ، وقد صرح النبي ( ص ) بهذا المعنى حيث قال : من عرف سرَّ الله في القدر هانت عليه المصائب [1] . نعم . من عرف سر الله الحكيم العليم في مقاديره الحكيمة في الصالح العام تهون عليه كل مصائب الدنيا فلا يحزن على ما فاته منها ولا يفرح فرحاً يبطره ويطغيه على ما آتاه الله بل يسلّم أمره في ذلك كله إليه تعالى ولقد أجاد الشاعر الحكيم العارف حيث قال : واترك الهم ودع عنك الفكر كل شئ بقضاء وقدر . سلّم الأمر إلى رب البشر لا تقل فيما جرى كيف جرى .