وكان الحسين بن علي ، عليهما السلام ، ينشد وهما من شعره : لعمرك إنني لأحبُّ داراً * تحل سكينةُ والرَّبابُ أُحبهما وأنفق جلَّ مالي * وليس لعاذلٍ عندي عتابُ وكان عبد الله بن عباس جالساً يفتي فدخل عليه عمر بن أبي ربيعة المخزومي وأنشده قصيدته التي أولها : أمن نعمٍ أنتَ غادٍ فمبكرُ * غداةَ غدٍ أمْ رائحٌ فمهجرُ حتى انتهى إلى قوله فيها : رأت رجلاً أما إذا الشمسُ قابلتْ * فيضحى وأما بالعشيِّ فيخصرُ أخا سفرٍ جوّابَ أرضٍ تقاذفتْ * بهِ فلواتٌ فهو أشعثُ أغبرُ حتى انتهى إلى آخرها ، فعاد إلى الحديث مع الجماعة ، فقالوا : يا حبر الأمة نحن نضرب إليك أكباد الإبل لنستفتيك في الحلال والحرام فيأتيك مترف من قريش فينشدك : رأت رجلاً أما إذا الشمس قابلت * فيضحى وأما بالعشيِّ فيخسر فتعرض عنا وتقبل عليه ، فقال : ما هكذا قال ، ولكنه قال : فيضحَى وأما بالعشي فيخصرُ ولقد حفظت القصيدة ، وإن شئتم أنشدتها من آخرها إلى أولها ، قالوا : نعم ، ففعل . فأما التابعون وغيرهم من الخلفاء والأمراء فلو أراد أحد أن يجمع من أشعارهم واستشهاداتهم كتاباً كبيراً لكان ذلك سهلاً عليه . فلولا كان الشعر من الشرف ومحله من الفضل لما جاز لهؤلاء سماعه فضلاً عن عمله وإنشاده والاستشهاد به في الوقائع ، وعلى كتاب الله ، وأخبار رسوله .