نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 348
آثم مخطئ ومن انتفى عنه الاثم انتفى عنه الخطأ ، فلنقدم حكم الاثم أولا فنقول : النظريات تنقسم إلى ظنية وقطعية فلا إثم في الظنيات إذ لا خطأ فيها والمخطئ في القطعيات آثم ، والقطعيات ثلاثة أقسام : كلامية وأصولية وفقهية . أما الكلامية : فنعني بها العقليات المحضة ، والحق فيها واحد ، ومن أخطأ الحق فيها فهو آثم ، ويدخل فيه حدوث العالم وإثبات المحدث وصفاته الواجبة ، والجائزة والمستحيلة وبعثة الرسل وتصديقهم بالمعجزات وجواز الرؤية وخلق الأعمال وإرادة الكائنات ، وجميع ما الكلام فيه مع المعتزلة والخوارج والروافض والمبتدعة وحد المسائل الكلامية المحضة ما يصح للناظر درك حقيقته بنظر العقل قبل ورود الشرع ، فهذه المسائل الحق فيها واحد ، ومن أخطأه فهو آثم ، فإن أخطأ فيما يرجع إلى الايمان بالله ورسوله فهو كافر ، وإن أخطأ فيما لا يمنعه من معرفة الله عز وجل ومعرفة رسوله كما في مسألة الرؤية وخلق الأعمال وإرادة الكائنات وأمثالها فهو آثم من حيث عدل عن الحق وضل ، ومخطئ من حيث أخطأ الحق المتيقن ، ومبتدع من حيث قال قولا مخالفا للمشهور بين السلف ولا يلزم الكفر . وأما الأصولية : فنعني بها كون الاجماع حجة وكون القياس حجة وكون خبر الواحد حجة ، ومن جملته خلاف من جوز خلاف الاجماع المنبرم قبل انقضاء العصر وخلاف الاجماع الحاصل عن اجتهاد ومنع المصير إلى أحد قولي الصحابة والتابعين عند اتفاق الأمة بعدهم على القول الآخر ، ومن جملته اعتقاد كون المصيب واحدا في الظنيات ، فإن هذه مسائل أدلتها قطعية ، والمخالف فيها آثم مخطئ وقد نبهنا على القطعيات والظنيات في أدراج الكلام في جملة الأصول . وأما الفقهية : فالقطعية منها وجوب الصلوات الخمس ، والزكاة ، والحج والصوم وتحريم الزنا والقتل والسرقة والشرب وكل ما علم قطعا من دين الله فالحق فيها واحد وهو المعلوم والمخالف فيها آثم ، ثم ينظر فإن أنكر ما علم ضرورة من مقصود الشارع : كإنكار تحريم الخمر والسرقة ووجوب الصلاة والصوم ، فهو كافر ، لان هذا الانكار لا يصدر إلا عن مكذب بالشرع ، وإن علم قطعا بطريق النظر لا بالضرورة ككون الاجماع حجة وكون القياس ، وخبر الواحد حجة ، وكذلك الفقهيات المعلومة بالاجماع ، فهي قطعية فمنكرها ليس بكافر لكنه آثم مخطئ ، فإن قيل : كيف حكمتم بأن وجوب الصلاة والصوم ضروري ، ولا يعرف ذلك إلا بصدق الرسول وصدق الرسول نظري ؟ قلنا : نعني به أن إيجاب الشارع له معلوم تواترا أو ضرورة ، أما أن ما أوجبه فهو واجب فذلك نظري يعرف بالنظر في المعجزة المصدقة ، ومن ثبت عنده صدقه فلا بد أن يعترف به ، فإن أنكره فذلك لتكذيبه الشارع ومكذبه كافر ، فلذلك كفرناه به ، أما ما عداه من الفقهيات الظنية التي ليس عليها دليل قاطع فهو في محل الاجتهاد ، فليس فيها عندنا حق معين ولا إثم على المجتهد إذا تمم اجتهاده وكان من أهله ، فخرج من هذا أن النظريات قسمان قطعية وظنية ، فالمخطئ في القطعيات آثم ولا إثم في الظنيات أصلا لا عند من قال المصيب فيها واحد ، ولا عند من قال : كل مجتهد مصيب ، هذا هو مذهب الجماهير ، وقد ذهب بشر المريسي إلى إلحاق الفروع بالأصول وقال فيها حق واحد متعين والمخطئ آثم ، وقد ذهب الجاحظ والعنبري إلى إلحاق الأصول بالفروع ، وقال العنبري : كل مجتهد في
نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 348