شأفة المسلمين وتدمير كيانهم . وأما في داخل ديار الاسلام : فقد كانت الخلافة العباسية قد بلغت دور الشيخوخة ، ووصل ضعفها إلى مداه ، ولم يعد للخليفة من سلطان إلا في بعض المظاهر التي تضعف وتقوى تبعا لضعف شخصية الخليفة وقوتها . أما السلطان الحقيقي ، والتصرف الفعلي بمقاليد الأمور : فقد استبد به قادة عسكريون ، أو رؤساء قبائل كانوا ينصبون أنفسهم ملوكا وسلاطين وشاهات على ما أتت أيديهم . بدأ ذلك بالسلاجقة ثم الخوارز مشاهية والغورية ، وكان هؤلاء الملوك متناحرين على السلطان ، هدفهم تحقيق مأربهم السياسية ، وبسط سلطانهم على ما تحت يد الآخرين من أبناء ملتهم ، غافلين أو متغافلين عما يدور حولهم ، وما يدبر لهم جميعا ، وكل منهم يظن أنه الأصلح للبلاد والعباد من سواه . وإذا كانت الأحوال السياسية للمسلمين في هذا الدرك الهابط ، فإن الأحوال الاجتماعية والاقتصادية لم تكن تقل عنها سواء . ولا نريد الدخول في تفصيل ما حدث في ذلك العصر لأنه يبعدنا عن موضوعنا ، ولأنه وصف بإسهاب في مختلف الكتب التاريخية القديمة ( 1 ) ، والحديثة ( 2 ) ، ولكن الامر يختلف تمام الاختلاف من الناحية الفكرية والثقافية فلقد كانت العناية في العلوم ، والثقافات ، والفكر كبيرة . يقول ابن خلدون - وهو يتحدث عن العلوم العقلية وأصنافها والأمم التي اعتنت بها أو أهملتها - : " ويبلغنا عن أهل المشرق أن بضائع هذه العلوم لم تزل عندهم موفورة وخصوصا في عراق العجم وما بعده فيما وراء النهر ، وأنهم على ( ثبج من العلوم العقلية لتوفر عمرانهم ، واستحكام الحضارة فيهم " ( 3 ) . كما عقد فصلا خاصا لبيان - أن حملة العلم في الاسلام أكثرهم من