أو لكون اللفظ بعضا لكلمة أخرى كما في صنعة الجمع بين الاكتفاء [1] والتورية ، إلى غير ذلك من الأسباب التي تفنّن فيها المتأخرون من أهل البديع ، فأحسنوا فيها كلّ الإحسان . ومن أغرب ما أذكره الآن ، قول أحدهم : « قلب بهرام ما رهب » فقد استعمل الكلمة الأولى في معنيين ، ثم جمع في الكلمتين الأخريين بين استعمال اللفظ في نفسه وفي معناه - على ما يقولون - فصار لمجموع الكلام معنيان مختلفان . ولعمري لقد أحسن فيه ، وأرتج [2] باب التأويل بالمسمّى على أصحابه ، ومثله قول القائل : « وكل ساق قلبه قاس » . وقول القائل [3] من أهل العصر - كان اللَّه له - : ( من مخلَّع البسيط ) قد نقط الخال دال صدغ * منك كجنح الغراب حالك كم خطَّ كفّ الجمال ذالا * وما رأينا شبيه ذلك [4] ولئن ضيّق بعضهم نطاق التورية من هذه الجهة فقد توسّع في الشواهد عليها بما لا مساس له بها أصلا فذكر منها شواهد إيهام التورية والمغالطة والتوجيه وغيرها من ضروب الصناعة
[1] الاكتفاء في الصناعة أن يأتي [ الشاعر ] ببيت قافيته بعض الكلام أو الكلمة ، وشاهده مع التورية قول ابن مكانس : أفدي الَّذي قد جاءني زائرا * مستوفرا مرتكبا للخطر فلم يقم إلاّ بمقدار ما * قلت له أهلا وسهلا ومر ( حبا ) . ( منه رحمه اللَّه ) . [2] أرتج : أغلق . الصحاح 1 : 317 ، القاموس المحيط 1 : 190 ، مجمع البحرين 1 : 302 ( ترج ) . [3] معطوف على قول القائل ، أي : ومثله قول القائل من أهل العصر . . . والمراد من تلك العبارة [ قول القائل من أهل العصر ] في أي موضع وقعت من الكتاب ، نفس المصنّف . ( مجد الدين ) . [4] راجع ديوانه المطبوع : 107 - 108 .